من أهم مزايا وخصائص الدين الإسلامي أنه يقر الاجتهاد، بل ويجعله واجباً على المؤهل له. وحين يجتهد الناس فلا بد أن يختلفوا، ولا بد أن يتحملوا المخالفين لهم، ولا بد أن يتقبلوا وجهات نظرهم، وأن تتسع صدورهم. فكثيرٌ من الأمور تحتمل التباين، والخيرات والخيارات مفتوحة، والفائز هو من يحقق أعلى قدر من المصالح العامة.
من القضايا التي أخذت نصيباً من التمهل والتريث؛ قضية مشاركة المرأة في العمل بأنواعه المختلفة، فأخذ بعضهم يخطئ من يقول إن حديث "النساء شقائق الرجال" ـ أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وأبو داود ـ يفيد المساواة، ظناً أن المساواة هنا في غير ما (نص) الشرع على جعله خاصاً بها.. ـ "ما ثبت للرجال من الأحكام يثبت للنساء إلا ما قام عليه دليل الخصوصية"، شرح أبي داوود للسبكي 2/326 ـ . يقول أستاذي الدكتور محمد سليم العوا في كتابه "الفقه الإسلامي في طريق التجديد" ص: 79: "من أظهر صور هذه المساواة أن يتساوى الرجال والنساء في التمتع بالحقوق العامة وفي أداء الواجبات العامة، وهي المساواة التي حاصلها أن يكون للمرأة دورها الذي تؤهلها له مكانتها العقلية والشخصية في مجتمعها، شأنها في ذلك شأن الرجل سواء بسواء، ويشمل ذلك تمتع المرأة بحقوقها السياسية ترشيحاً وانتخاباً للمجالس النيابية والمحلية كافة، وتولياً لما تكون مؤهلة له من المناصب الإدارية والسياسية جميعا".
غاية ما يطلب في مشاركة المرأة المحافظة على سمتها الظاهر والباطن، والتقيد بقيود الزي والكلمة والحركة، والرجل غير مطالب بعكس ذلك. قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} التوبة/71.
بعضهم أيضاً يخطّئ من يستدل بمشورة سيدتنا أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ على سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الحديبية التي روتها كتب الصحاح ـ واستدل بها خادم الحرمين حفظه الله ورعاه مؤخراً ـ ويقول إن الحادثة لا تدل على مشاركة المرأة، بل جاءت لبيان أن المفضول يشير على الفاضل، وأن الزوجة لها أن تشير على زوجها.. والقصة تبين أن المشورة لم تكن في شأن يخص الحياة الزوجية، لكنها مشورة في شأنٍ عامٍ وهام، ومصيري وسياسي. يقول الدكتور محمد فريد الصادق في رسالته "الحقوق السياسية للمرأة" ص 78 إن "قصر الحقوق السياسية على الرجال دون النساء، أمرٌ لا يقره الإسلام الصحيح، الحريص على المساواة بين الرجل والمرأة في التمتع بهذه الحقوق السياسية، فليس الذنب ذنب الإسلام، وإنما هو ذنب بعض الذين يتحدثون باسمه". المرأة مكلفةٌ بالمأمورات والمنهيات كتكليف الرجل، وليست خصماً، وليست منازعةً له، وليس في عملها العام منافسة غير مشروعة. وللمزيد يرجع إلى الكتاب الرائع "تحرير المرأة في عصر الرسالة" للشيخ عبدالحليم أبو شَقة رحمه الله.
القادم أحلى:
لا أقول نساء بلادي هن فقط من استبشرن بالقرارات الأخيرة، بل حتى الرجال من أهل الوعي والبصيرة شاركوهن.. ولأن الغيب حلوٌ، والحاضر حلوٌ، والقادم بأمر الله أحلى، فإن مجموعةً من نساء بلادي أطلقن حملة يجددن من خلالها الرغبة في تعميم تطبيق قرار وزارة التجارة القاضي بإعفائهن من تعيين وكيل شرعي لإدارة أعمالهن بعد أن التزمت بتطبيق القرار ''التجارة'' فقط.. ولا شك أن المصلحة تخدم توجههن، لا سيما أن خيانة وتجاوزات بعض الوكلاء وصلت إلى المحاكم.