كريستينا وميري من بنات الدينكا تحت سن العشرين، تعيشان في عشة من الحديد أمام إحدى دور السينما بأم درمان ضمن مئات من الصبية والفتيات الأخريات يسمونهم في السودان "الشماسة" وهم المشردون. ولدت كريستينا في الخرطوم ولا تعرف أما ولا أبا لها شأن الكثير من المشردين، ولكن تعرف امرأة تدعى لورا قالت إنها خالتها. تعيش كريستينا على التسول والسرقة للوفاء باحتياجاتها اليومية التي يتصدرها "السلس" وهو مادة لزجة تستعمل في لصق البلاستيك يستعملها المشردون كمخدر رخيص الثمن ومتوفر في الأسواق. أما بخصوص الطعام فإنها تحصل عليه من فضلات المطاعم.
وحول استفتاء تقرير مصير الجنوب الذي تنتمي إليه، فليس يعنيها الأمر كثيرا لأنها لا تستطيع الرجوع إليه. وسألناها فيما إذا ما كان مسؤولو الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب قد "تكفلوا بترحيل كل العائدين"، فأجابت أنها ذهبت إليهم، ولكنهم طردوها "فهم لا يريدون إلا من يستطيع التصويت، وتكون معه أوراق ثبوتية عدا ذلك لا يساعدون أحدا".
وأفادت بأنها لا تثق فيهم، وأن كل الأخبار الواردة من الجنوب "تفيد بأن العائدين يعانون أشد المعاناة، وهناك حالة إحباط شديدة في أوساط العائدين الذين تفاجئوا بعدم توفر أي سكن ولا طعام ولا أدنى مقومات الحياة، ناهيك عن عمليات السلب التي تمت لأغراضهم". وتساءلت هي "أين الحركة الشعبية، ما الذي يحدث لهولاء؟".
في المقابل قالت رفيقتها ميري التي يبدو أنها ما زالت تحت تأثير المخدر: إنها "لا تفكر إلا في السلس ومستحضرات تجميل يتم تركيبها لتبييض البشرة، وهي لا تفكر في العودة، فهي لم تر الجنوب أصلا ولا تريد المجازفة". وأضافت: "إذا انفصل الجنوب وأصبحت الحياة فيه جنة كما قالوا فإنها ستجد طريقة للسفر، لكن حتى ذلك الحين فإنها باقية في عشتها".
أما ملوال زردية (9 سنوات) فيرتدي ملابس رثة ويحمل في كتفه شنطة من الصفيح كانت في السابق "جالون زيت" قال: إنها أدوات "الورنيش" ويستخدمها في تلميع أحذية الزبائن، حيث يتجول بها في أنحاء العاصمة طلبا للرزق. وقال: إن دخله اليومي يصل أحيانا إلى أكثر من 20 جنيها، وهو يوفر منها مبلغ 10 جنيهات "حيث يطمح أن يغير حياته عندما يكبر ويتوفر لديه المال الكافي ويعيش حياة كريمة كباقي البشر في بيت ووسط جيران".