هل نظلم كثيراً الذاكرة العربية حين نصفها بـ(القِرْبة المخرومة) ونصف أصحابها بآكلي (سد الحنك)؟!.

القربة، لمن لا يعلم، هي وعاء يُصنع من جلد الحيوان لحمل الماء في السفر. وفي ولاية كسلا بشمال شرق السودان(كما يعرف كل زول)مدينة تدعى (خشم القربة)، و"الخشم" هو الفم أو (الحنك) كما هو معروف في اللهجتين السودانية والمصرية، وليس الأنف كما في اللهجة السعودية.

ويصف المصريون من يصمت حين ينبغي له أن يتكلم بأنه (وَاكِل سد الحنك)،ويشبّه المصريون والسودانيون من لا يستوعب الدرس ولا النصائح ومن ثم تتكرر أخطاؤه، بأنه مثل "القربة المخرومة"، تنفخ فيها إلى أن ينقطع نفسك، ثم لا تجد أثراً لهوائك!، فما يدخل من الـ(الخشم) سرعان ما يخرج من (الخُرم)!.

ولكن هل حقاً لدينا ذاكرة عربية (مخرومة)، فتنسى أو تتناسى أحياناً، وتفقد محتواها أحياناً، ويأكل صاحبها في الحالين (سد الحنك)؟!.

في الأردن مثلاً، أعلن مدير عام دائرة الآثار العامة بالوكالة فارس الحمود في (26/ 9/ 2011) عن استعادة 620 قطعة أثرية فخارية من إسرائيل، وهذا عنوان رائع بالتأكيد، ولكن في التفاصيل أن هذه القطع كانت مُعارة لعالم الآثار الأميركي بول لاب خلال ستينات القرن الماضي بهدف الدراسة والتحليل العلمي، حيث نُقلت إلى معهد ألبرايت في القدس لاستكمال الدراسة، إلاّ أن ظروف حرب يونيو عام 1967 حالت دون إعادتها...!.

السؤال الآن: هل استمرت حرب يونيو 1967 حتى سبتمبر 2011 ونحن لا ندري؟، أم كانت الذاكرة (مخرومة) و(خشم) صاحبها مليئاً بـ(سد الحنك) خلال كل هذه السنوات الـ44، وأنه من حسن الحظ أن هذه القطع ظلت عالقة بحافة (الخرم) حتى سقطت فجأة كتفاحة نيوتن على ذاكرة المسؤول اليوم؟!.

ذاكرتنا، التي أرجو ألاّ يصيبها (الخرم)، تقول أيضاً: إن وكالة الأنباء السعودية أوردت في (6/ 9/ 2011)، خبراً عن استعادة الهيئة العامة للسياحة والآثار 523 قطعة أثرية من بريطانيا تعود إلى موقع (قرية) الأثري في منطقة تبوك، نُقلت إلى بريطانيا للدراسة عقب أعمال مسح تمت في الموقع عام (1968)!، ولا ندري هل حالت ظروف حرب 67 أيضاً دون استرجاع هذه القطع طيلة الأعوام الـ43 الماضية.

وفي ذاكرتنا، كذلك، أن مصر التي استعادت 31 ألف قطعة أثرية خلال الأعوام التسعة الماضية، لم تستطع حتى يومنا هذا استرداد "حجر رشيد"، وهو من أهم القطع الأثرية المصرية في الخارج، وما زال معروضاً في المتحف البريطاني منذ أكثر من 200 سنة!.

آثارنا العربية كنوز لا يمكن التفريط فيها، فهل يستعيد المسؤولون عنها ما بقي منها معاراً أو منهوباً؟، أم يريدون لأجيالنا القادمة أن تعيش بلا ذاكرة؟!.