ترتفع الحرارة. يؤكد التيار الكهربائي وصول الصيف، يختار أكثر فترات النهار سخونة لينقطع. لهيب في الخارج، ولهيب في المباني الأسمنتية، التي تبلغ الحرارة فيها أربع أو خمس درجات أعلى من الشارع، "نمط معماري متلائم مع البيئة"! الرطوبة تكتم الأنفاس في مدننا الساحلية، لتؤكد أنها ليست المكان الملائم لقضاء الإجازة.

تغلق المدارس أبوابها. الكل يقدم طلبات الإجازة. تأخذ الإجازة حيزاً طويلاً من نقاشات الأسرة، أين نذهب وأين نسكن، وكم ستكلف الرحلة، وكم ستدوم؟ يبدأ في المقابل نقاش في أماكن أخرى، كم سيكون الإيراد هذا العام؟ ما هو السعر الذي نحدده، من نؤجر؟ نقاش ثالث لمجموعة ثالثة هم سكان المناطق السياحية، هو أقرب للشكوى. تكدس السيارات في الشوارع هم، وارتفاع الأسعار هم آخر.

حديث المجالس عن الاصطياف في الداخل، يُظهر المؤيد كمن يقول زورا من القول وبهتانا. الكل يمتدح السفر إلى الخارج. أجمل عبارة سمعتها "مرحباً ألف والشقة بألف"، مع شكي في صحتها، لكن، لماذا يفضل المواطن صيف الخارج على صيف الوطن؟

التوجه لتطوير السياحة الداخلية بدأ في التسعينات من القرن الماضي. كانت هناك خدمات إرشاد سياحي، وتعريف بالمواقع أكثر مما نراه اليوم، وكأن السياحة المحلية فقدت بريقها، وتركزت في مواقع معينة.

المناخ متقارب، بل أزعم أن مناخ بعض المناطق لدينا أجمل من أوروبا في الصيف بالذات. ففي السودة والشفا مثلاً لا يمكن أن تتجاوز درجة الحرارة العشرين طول العام، كما أن الأمطار الموسمية الصيفية لدينا عنصر جذب آخر، هناك أيضاً مواقع جميلة، وغابات منتشرة على طول سلسلة الجبال الممتدة من الطائف إلى أبها.

المساجد تنتشر في كل مكان. الندوات والمحاضرات وأسابيع التوعية والمخيمات الإرشادية كذلك، السلوكيات في الشوارع والأسواق والفنادق لا تخدش الحياء. الأمن متوفر ولله الحمد، والكل يحاول أن يساعدك ويدلك إلى حيث تريد. في النهاية أنت في وطنك، كل ريال تنفقه يدعم اقتصاد الوطن.

إلا أن هناك منغصات حقيقية. فالوصول إلى مناطق الاصطياف بداية الصعوبات، حجوزات الطيران شبه مستحيلة بل هي المستحيل، والطرق تفتقر لأبسط وسائل الراحة والخدمة والنظافة.

الزائر للمتنزهات يصدمه حجم الإهمال وانعدام الخدمات والنظافة، بعد أن كانت وجهات جاذبة لجميع السياح.

البنية التحتية في مناطق الاصطياف تعاني من نقص وسوء إدارة. الشوارع مزدحمة، تسير في خطوط طويلة من السيارات في كل مكان. الناس يتجهون لنفس المواقع، ولا توجد بدائل، فالطريق المؤدي إلى مواقع التنزه واحد يتكون من مسارين فقط، الخدمات على هذه الطرق تنقصها اللوحات الإرشادية ووسائل الحماية، ومواقع الراحة. محطات الوقود تنتشر بدون تنظيم موحد يوفر ما يحتاجه السائح، وهذا يجعله يتوقف في أكثر من محطة.

تنتشر مواقع بيع الفواكه والفحم والحطب والمنتجات الغذائية المحلية بعشوائية ودون رقابة على الأسعار. لا أدري ماذا يمنع البلديات من وضع تنظيم جميل وموحد وجاذب لهذه "البسطات" بحيث تعزز جمال المكان ولا تسيء إليه.

ينتهي يوم السائح بغياب الشمس. النشاط الوحيد "بخلاف الأنشطة الثقافية" هو مهرجانات التسوق. لا بد أن تدفع لتدخل الموقع، أي تدفع لتدفع. ثم تواجه أزمة التدافع. لدرجة أنك لا تستطيع التسوق ولا حتى المشي بحرية. الأنشطة موزعة بشكل عشوائي. الشكل العام والتنظيم والتعامل بحاجة لإعادة نظر، والأسعار عموماً أعلى من المتوقع. تذهب هناك مرة ثم أخرى وثالثة، بعدها تمل من إزعاج مكبرات الصوت ومقدمي الفقرات، في مسرح أطفال يمتد حتى الثانية عشرة صباحاً.

تعتبر المقاهي، والمطاعم، والحدائق ومواقع المشي، وممارسة الأنشطة الرياضية عوامل جذب كبير للاصطياف في كل مكان. القادم للمناطق السياحية لدينا لا يجد من هذه المواقع ما يستحق أن يذهب إليه، فمواقعها إما أن تكون دون المستوى، أو تكون في فنادق تكلفتها عالية جداً.

توجد مواقع ممتازة، تحتاج للاستغلال السياحي. رجال الأعمال يبذلون جهوداً، لكنها في الغالب ربحية التوجه، وليست محكومة بنوعية الخدمات المقدمة.

أسعار السكن مرتفعة، إلا أنه يمكن أن تتحكم الجهات الرسمية في التصنيف، بالتعاون مع القطاع الخاص. المشكلة الأكبر هي عدم توفر السكن. هذا العام لاحظت ظاهرة كانت الجهات المسؤولة عن السياحة تقاومها، وهي ظاهرة انتشار الخيام والمخيمات على الطرقات وفي كل مكان. ليس هناك تنظيم ولا عناية ولا حماية للمواقع التي تحتلها الخيام عنوة.

يستطيع السائح أن ينهي كل إجراءاته من بيته إلى المطار والسكن والحجوزات والتنقلات، حتى المطاعم ومواقع الترفيه في أي دولة في العالم من خلال الإنترنت. وهو أمر يستطيع السائح لدينا أن يتخيله فقط.

المؤكد أن الخدمات السياحية تتراجع في مقابل تطور الخدمات في كل دول العالم. والأهم أن تعمل جميع القطاعات لإعادة البريق للسياحة الداخلية. قبل أن نشجع المواطن للتوجه إلى أماكن يعيش فيها معاناة تبقى في الذاكرة.