عند غياب مفهوم العمل الجماعيِّ، يكون بديل هذا الغياب ظاهرة (فردية المدراء)، فمن مفهوم (مدير كلِّ شيءٍ) إلى مفهوم ( المدير متعدِّد المواهب) مرورًا بـ(المخلص الوحيد), إلى (صاحب الأنا المتعالي) ؛ لتتجلَّى قمة هذه الفرديَّة في (مسرحيَّة الرجل الواحد) في عرضٍ استفزازيٍّ، يَسخر من جميع المواهب والكفاءات المتوافرة، ولا يستمع لمعاناة موظَّفٍ، ولا يملك معايير لتقييم مجتهدٍ أو صاحب فكرٍ وإبداعٍ.
والعمل الجماعيُّ أساس تقدُّمٍ، وأُسُّ نجاحٍ، وقد تجاوز الفكر الإداريُّ التركيز على القائد وصفاته، إلى المجموعة وخصائصها، فالمدير الحقيقيُّ هو من يستطيع تحفيز المجموعة وإقناعها وإشراكها في تحقيق الهدف. وإذا كان القادة (المدراء) ضرورة تحديد رؤيةٍ وهدفٍ ؛ فإنَّ المجموعة ضرورة تطبيقٍ ونقلٍ لهذه الرؤية والهدف إلى واقع التنفيذ.
واختباء المدير منفردًا خلف مِقوَد الصلاحيات، وإغلاق الأبواب والنوافذ الإدارية، يجعل الجوَّ الإداريَّ غير صحيٍّ، ولا يُعرِّضه لأشعَّة شمس الأصوات الداخليَّة الصادقة والمنعشة، وفي مثل هذه الحالة يُصبح الاتِّصال الإداريُّ الورقيُّ الجامدُ سيِّدَ الأجواء؛ وتسير العمليَّة الإداريَّة في طريقٍ مُزدوجٍ من اللَّوم والتذمُّر، فالموظَّف يتذمر من المدير، والمدير يلوم الموظف و يتذمَّر من رئيسه، والرئيس يلوم الأعلى منه، وتنشأ دوَّاماتٌ غير منتهيةٍ من التَّشكِّي الإداريِّ ؛ نتيجةً لغياب المصارحة والتعاون والشفافيَّة وروح الفريق.
تتويت:
يد الله مع الجماعة, والعمل الجماعي ضرورة إيمانية قبل أن يكون عملية, وعندما يُؤمن المدراء بالعمل الجماعيِّ، ويُنصتون إلى آراء الموظفين، عندها.. يفسح المجال لمنتظري فرصة إثبات الجدارة, ونتخلص من الرأي الفردي والقرار الفردي والعمل الفردي.