قبل عام من الآن، وفي أحد الحوارات الثقافية في تجمع صحفي في لندن؛ سألني أحدهم متعجبا: قبل أن تفكروا في مشاركة المرأة في الشورى أو في المجالس البلدية اسمحوا لها أولا بقيادة سيارتها. كان هذا الرأي جزءا من الخلط الذي يقع فيه المراقبون للشأن السعودي بين ما هو إجراء وبين ما هو تشريع، وقرارات الأحد التاريخية أبرز مظهر للخروج من التفاصيل والأجزاء باتجاه القضايا الكبرى ذات التأثيرالفعلي في مسيرة القرارالوطني، حين تكون المرأة السعودية جزءا من صناعته، لا مجرد مستقبلة له.

يدرك خادم الحرمين الشريفين جيدا ما يمكن تسميته بإيقاع التطور الاجتماعي، والحركة التصاعدية المستمرة للوعي الاجتماعي بمختلف شرائحه، وهو يقدم في ذلك حالة من الفهم الوطني العميق التي تتحرك فيها الإصلاحات بما يلبي الاتساع المستمر في الوعي الشعبي العام، ويستطيع أن يقرأ واقع التحولات الاجتماعية، فمنذ خمس سنوات مثلا لم تكن مشاركة المرأة في المجلس البلدي تمثل مطلبا ملحا وحيويا كما هي الآن، ففي ذلك الوقت كانت أغلب المطالبات بهذا الجانب تتم في أوساط النخب الثقافية والإعلامية، ولكن ومع مرورالسنوات تحول غياب المرأة عن تلك الفعاليات من كونه سؤالا ثقافيا إعلاميا ليصبح سؤالا شعبيا، الأمرالذي سيضمن له كثيرا من القبول، بل والتنافس بين مختلف الشرائح الاجتماعية.

لو تتبعنا كلمات خادم الحرمين الشريفين في كل ما يتعلق بقضايا المرأة سنجد أنها كانت تحوي ضمنا حالة من استيعاب وفهم المتغير الاجتماعي، هذا الاستيعاب يمثل الحاسة الأذكى لكل قائد في مجتمع تتفاوت شرائحه في درجات الوعي، من أجل أن تأخذ القرارات التحديثية والتطويرية حيزا يدخل بها في مرحلة الجدوى، ويخرجها من مرحلتي الخوف والتفاوت في التلقي، مما يعني أن القيام بإجراءات ما قبل أن تمثل تلك الإجراءات رغبة اجتماعية من شأنه أن يقلل من جدواها.

خمس سنوات من حكم الملك العادل، شهدت الكثير من التغيرات الثقافية والاجتماعية والدولية، كان الملك يحمل رؤية وتوجها تشهد عليهما مختلف مواقفه، وأحاديثه التي تؤكد باستمرار أن أي مجتمع لا يمكن أن يتحرك بجزء واحد فقط، بينما يغيب الجزء الآخر، فليس الرجال فقط هم من يتأثرون ويؤثرون في الأمن والاقتصاد والتنمية والرفاه والمستقبل، بل لا يمكن لأي مجتمع سوي أن يقول بذلك، فالرجال والنساء معا هم أهل الأرض وأهل الحياة وأهل المستقبل. وبالتالي فلا يمكن أن تسير عملية البناء والوطنية بشق واحد، وقد سُبقت قرارات يوم الأحد الماضي بقرارات مهمة ومؤثرة في واقع المرأة السعودية، وعلى أكثر من صعيد. إن قرارات الأحد التاريخية هي قرارات مؤثرة في حياة السعوديين كلهم، وليست فقط في حياة المرأة السعودية، بل وفي مستقبل مختلف المؤسسات الوطنية، فمنذ أن تدخل المرأة إلى مجلس الشورى سيتخلص المجلس من حالة النقص التي تعتريه بسبب اقتصاره على الرجال فقط، فالشورى كفعل وكممارسة ليست مقصورة على جنس دون غيره، مما يعني أن القرار الملكي الكريم جاء ليمثل إصلاحا وتطويرا فعليا لواقع ومستقبل مجلس الشورى وليس للمرأة فقط. وهو ذات المشهد في انتخابات المجالس البلدية، والتي في الواقع لم تكن لا في دورتها الأولى ولا في واقعها الحالي أكثر من تدريب وطني على الانتخاب، فالمجالس البلدية في كل بلدان الدنيا يتساوى فيها الرجال مع النساء، وتحضر فيها المرأة شريكا ومؤثرا، بل قد يتجاوز دورها دور الرجل، فهي المعنية جدا بشؤون الأسرة التي تتأثر بالحي وخدماته وتطوره، مما يؤكد أن قرار الملك بشأن دور المرأة في الانتخابات البلدية جاء إنقاذا لهذه الانتخابات وتوجيها لها، بل يتفوق على قرار دخولها لمجلس الشورى بما يتضمنه من شعبية للقرار، ففي الوقت الذي سيقتصر فيه حضور المرأة في الشورى على عدة مقاعد؛ ستمثل المجالس البلدية زخما شعبيا على مستوى الانتخاب والترشيح.

من الواضح أن قرارات الملك الكبير جاءت انطلاقا من فكرة واضحة وواعية وحازمة، تمثلت في قوله: "نرفض تهميش المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال عمل وفق الضوابط الشرعية" وهو منطق حضاري ووطني متقدم، وقد أثبت الواقع أن كل خطوة حضارية وكل موقف تحديثي لا تكتمل جدواه إذا لم يكن شاملا وعاما.

وجود المرأة في مجلس الشورى وفي المجالس البلدية هو حضور حقيقي في صناعة القرار، ليس الخاص بالمرأة فقط، بل المتعلق بكل شؤون البلاد حاضرها ومستقبلها.