ظاهرة "تسونامي التكفير" وتنامي الأفكار التكفيرية باتت من الأزمات والتحديات التي تعصف بالداخل الإسلامي برمته وتهدد أمنه وتماسكه، وتشوه صورته، وتعرّض حاضره ومستقبله للخطر، هذا التحدي يتحرك على أرضية واقع ممزق ومتناحر يعيشه العالم الإسلامي، تفتك به الانقسامات والخلافات العرقية والمذهبية في ظل انعدام شروط المناعة الداخلية. نعم.. هي ظاهرة مخيفة لأن المسلم الذي يحمل هذا النوع من الفكر التكفيري استطاع أن يتحول إلى إنسان صدامي وعدواني تجاه الآخر، الذي يختلف معه دينياً أو ثقافياً، هذه الإشكالية الكبيرة بدت مستفحلة في عصرنا الراهن، وما حصل ويحصل الآن في كثير من البلدان الإسلامية هو شاهد حي على ما نقول، من تسجيل النقاط المحكوم عليها في التأسيس لمنطق الفرقة الناجية، وتكريس التدابر والقطيعة، والتفنن في التنظير لثقافة إقصاء الآخر وإلغائه، الأمر الذي أدى إلى قيام صراعات على أسس عرقية وقومية ومذهبية.

لم يتصاعد نجم هذا الخطاب التكفيري لولا وجود قابليات ذهنية تتقبله، ولعل الفلتان الفضائي والسباق الماراثوني في السجال الإقصائي هو مصداق بارز للمشهد الثقافي الحالي لحالة الاحتقان في المجتمعات الاسلامية، وما يرافقه من الانشغال بصغائر الأمور وهوامش الهموم على حساب القضايا المصيرية.

إن السؤال الذي يفرض نفسه: ما هو السبيل للخروج من هذا النفق المظلم والواقع المؤلم؟

الجواب: إننا نملك الضوابط الدينية والقواعد الإسلامية التي تكفل ترميم التصدعات، ولكن الشرط الرئيس هو تفعيل هذه الضوابط والقواعد! إن نبذ الخطاب التكفيري ومكافحته يبدآن بالوعي الجماعي العام، الذي لا يمكن بلوغه في مجتمع متين وصلب إلا بتعزيز قيم التسامح، وإن الوعي الذي يمكننا المراهنة عليه هنا؛ ليس محصوراً فقط في لحظة التأسيس المعرفي والتنظيري لخطر هذا الفيروس فحسب، بل لابد من ترجمته على أرض الواقع، وبطريقة مستمرة في كل القطاعات الحكومية والخاصة، بدءاً من تعليم الطفل في مرحلة الروضة، كل ذلك من شأنه أن يساهم في ترسيخ مبدأ أن الناس صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.

إن ما قُدم من بحوث، وما صدر من توصيات عن مؤتمر التكفير الدولي الذي عقد في المدينة المنورة قبل أيام قليلة؛ سوف يضيف نجاحات جديدة لصالح المملكة في الداخل والخارج، وهو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه لابد أن تتبعه خطوات. بعبارة أخرى إن في حربنا الضروس على ''مدارس التكفير'' يتعين علينا التفكير ملياً في الحاجة إلى سن تشريع يلاحق ''التكفير''، حتى يدرك هؤلاء أنهم إذا أطلقوا العنان لصيحاتهم واتهاماتهم التكفيرية فإنهم بذلك ينتهكون القانون الصريح، الذي لا حصانة فيه لأحد كائنا من كان، وخصوصاً مع وجود تدابير فعالة ولوائح قانونية محددة تتخذها الدولة لمحاربة التكفيريين، ليكن السؤال الحقيقي:

ما هي العقوبة المفروضة حيال تعدي شخص على الآخرين؟ وهذا ما يدعونا إلى محاولة وضع الإصبع على الجرح مباشرة، هذا الجرح يكمن في غياب الإطار المؤسسي لمكافحة التكفير، مؤسسات محلية تراقب تطبيق التشريعات والقوانين التي تجرم الفكر التكفيري، وتعاقب عليه بمقتضى القانون، وتستقبل جميع الشكاوى.

إنني أتصور أن إصدار قانون محدد وواضح لمواجهة التكفيريين والاحتكام إليه من شأنه أن يكبح جماح هذا "التسونامي التكفيري" الذي يطارد حرية الفكر والإبداع بكل تنوعاته.