اليوم الوطني المجيد للمملكة أصبح عطلة رسمية لا تمارس بها الأعمال الحكومية ولا الخاصة، وتقفل فيها المدارس. وها هو اليوم في عمق الروزنامات في العالم، وأصبحت هذه العطلة واقعاً لا شكوك حول شرعيتها وضرورتها.

الفكرة من تخليد هذا اليوم هي زرع هذه الذكرى العزيزة في عقول الأجيال، بهدف إبراز تاريخ الوحدة والملحمة الكبرى والمحافظة عليها. لكن هل أجدنا في هذا الدور، وأبرزنا أهمية هذه الوحدة في هذا اليوم بما يتناسب مع كونها حدثاً مفصلياً وتاريخياً غير مسبوق في هذا العصر؟ وإن كنا لم نفعل فما الواجب علينا فعله، وما هي المقترحات التي يمكن تناولها بغرض مناقشتها والأخذ بها إن كانت مناسبة؟ كيف تقيم الدول المتقدمة احتفالاتها، وماهي الأولويات التي يتناولها الساسة والمؤسسات الرسمية وشبه الرسمية؟ ما دور الهيئات الرياضية والفنية ووسائل الإعلام بشكل عام؟ أقول ذلك لأنه وفي غياب التنظيم والاستعداد والتحضير، وفي غياب الفعاليات اللائقة والمنظمة؛ أصبح الشباب في حيرة من أمرهم.. وبدأ الفرد منهم يتصرف في هذا اليوم المهم جداً بعفوية، أولها حب ومشاعر فياضة، ثم ينتقل إلى بعض الفوضى والإزعاج في غياب النظام وعدم الخوف من ارتكاب المخالفات.

الحقيقة التي لا جدل حولها والتي لا ينبغي إغفالها أن العطلة ـ مجرد العطلة ـ وعدم الذهاب إلى المدرسة تعني للكثير من الفئات العمرية الشابة الفرح والبهجة والاحتفالية. لهذا، فأي مقترحات لملء هذا اليوم لا بد أن تلامس هذه الغايات، وتطرز هذا اليوم بأرقى وأجمل الفعاليات المناسبة لتطلعات الشباب. في الأعياد الأخرى كنا نعاني في السابق من الملل وطول النهار دون وجود أي وسيلة للابتهاج، ثم بدأ يتطور الأداء قليلاً، وتولت أمانات المدن تنظيم بعض الفعاليات التي أصبح المواطن يتطلع إليها، رغم استمرار الحاجة إلى الارتقاء بها وتطويرها عاماً بعد عام.

عودة إلى فكرة الموضوع، ما الذي يمكننا تنظيمه في ذكرى وحدة الوطن وإعلان ولادته؟ كيف يمكننا أن نؤسس يوماً حافلاً بالنشاط وخاضعاً للرقابة والتنظيم والمحافظة على الأمن في آن؟ من أهم الفعاليات بنظري هي التنظيم اللائق لإقامة احتفالية رسمية في مكان محدد يشهد على تاريخ الإنجاز، ونستذكر من خلالها نشأة المملكة والتحديات التي تواجه هذه الوحدة وكيفية المحافظة عليها. وغني عن القول أن من أهم فقرات هذه الاحتفالية تكريم الرجل الذي أسس هذه البلاد، وأرسى عوامل وحدتها واستقرارها، رحمه الله وأسكنه جنات النعيم، وأيضاً تكريم كل من ساهم معه في تحقيق ذلك الإنجاز. ومثل هذه المناسبة لا بد أن تشتمل على تكريم كل من ضحى بحياته في سبيل الدفاع عن حدودنا ومكتسباتنا إلى يومنا هذا، وهنا أشير إلى أفراد القوات المسلحة الباسلة في كل قطاعاتها. التكريم الأخير يتم من خلال إعداد لائحة شرف يؤسس لها جدار خاص أنيق من المعدن الصلب، وتحفر به أسماء هؤلاء الأبطال الأفذاذ، وتبقى هذه اللائحة في مكانها طوال العام، كمعلم من معالم القوة والتضحية. ولهذا فإن مكان الاحتفال المذكور لا بد أن يحمل صفة تاريخية محددة. وفي هذه الجزئية، ولو كان الرأي لي لاقترحت ساحة قصر المربع، حيث يوجد متحف الملك عبدالعزيز، وحيث المكان اللائق تنظيمياً وتاريخياً لاحتواء مناسبة كهذه.

هذه هي الفعالية الكبرى والأهم، ويجب أن تنقلها وسائل الإعلام حية على الهواء في صباح ذلك اليوم الأغر. أما فيما يتعلق ببقية النهار والمساء، فما المانع من تنظيم ساحات تقام بها العرضة السعودية ويتقلد بها شباب الوطن السيف والمشلح لتأديتها في حضور الجماهير؟ وما المانع من إيجاد مدربين لتعليم هذه الرقصة الجميلة للشباب الصغار. كما يجب علينا تنظيم ساحات أخرى متعددة لتأدية الرقصات الشعبية الأخرى حسب المناطق وتنوع السكان. يمكننا أيضاً تنظيم لمسابقة أفضل قصيدة للوطن، تقام في أمسية خاصة ويتم نقل مجرياتها عبر البث الحي المباشر في عشية اليوم الوطني، مع وضع جوائز معتبرة لناظمها ومن يليه من الفائزين الأوائل. يمكننا ونحن دولة فتية أن نضم بعض المبدعين في المجالات الأخرى، ليتم الاحتفاء بهم وتكريمهم، عرفاناً وتقديراً لتميزهم في النشاط الذي أبدعوا فيه.

وهكذا ومع تنظيم مشابه لبعض المسرحيات المنتقاة، وحفلات الفن في المساء، والتغني بالقصائد الوطنية والطربية، أو وضع أهم المباريات الكروية في الدوري في مساء اليوم الوطني كتقدير لهذا النادي أو ذاك، نكون قد وضعنا البرنامج الاحتفالي المناسب للمناسبة الكبرى. بهذا سنضع سنة حميدة لهذا اليوم، تجعل الجميع يبتهج ويفرح ويستمتع في أجواء منظمة ورائعة. ومن يدري فقد نضطر إلى تخصيص أسبوع كامل لهذه المناسبة، لا للتعطيل عن العمل ولكن لاستمرار الفعاليات الخاصة في المساء. وكما حذرت أعلاه فإن الإعلان عن توقف العمل والدراسة دون ملء الفراغ والمحفزات هو في الحقيقة خلق وتأسيس للفوضى، خصوصاً مع غياب النظام الرادع لمن يعيق السير أو يتجاوز التقاطعات أو يسبب الأذى للمارة.

تحية من القلب لهذا الوطن الغالي الذي رعاني ورباني، وأنشأني بعطفه، وجعل مني مخضرماً لسرعة إيقاعه الزمني، وحولني إلى محب للغير أو ناقم من بعضهم بسبب الولاء له. تحية لهذه الأرض الطاهرة وشعبها الوفي وقادتها المخلصين، ورجالها ونسائها، والتي نتمنى في كل يوم جديد أن تصبح بما احتوت في صدارة الأمم والكيانات قيماً وأخلاقاً وعدلاً. شكراً لكل من ساهم في البناء، وكل من حافظ على الأمن، وكل من علم طفلاً، أو نهض بفكرة خلاقة.

وطن بحجم هذه القارة لا بد أن القائمين عليه والمحافظين على حدوده وعزته وكرامته رجال أفذاذ، ضحى آباؤهم في سبيل أمننا، وها هم الأبناء والأحفاد يؤدون الأمانة بكل اقتدار. لكل هؤلاء وللقادمين من الأجيال نقول: كل عام ووطنا بحول الله وقدرته بخير.