في يومنا الوطني وفي مكان ما على كورنيش جدة حيث تحول كل شيء إلى اللون الأخضر, حتى ظننت أن البحر يود أن يكون أخضر كقلوبنا وأعلامنا وفساتين الصغيرات وقمصان الفتيان؛ مرت بذاكرتي لحظات عاشها وطني, لحظات مغايرة، ولحظات صادمة.. لحظات غاضبة ولحظات سعيدة، لحظات مؤمنة ولحظات شجاعة، وجدتني أستوقفها من عمر الزمن، وكأن أحاسيس أبطالها قد أعادت ذكرها إلى أعماق روحي لأختبرها كما اختبروها.
ربما من أهم تلك اللحظات, اللحظة التي تسلل فيها أربعون رجلاً بقيادة شاب يرفض الهزيمة والاستسلام، ولايقتنع مطلقاً إلا بنصر الله عزوجل، ليمنحنا نحن وطناً عظيماً، في مساحة قارة متنوعة البيئات والألوان والمجتمعات، كأحد معجزات العصر الحديث، فليس من السهل صناعة كيان مترابط وموحد ومتجانس من كل هذا التباين والاختلاف، والله وحده يعلم أين سيكون شتات الجزيرة العربية لو لم تكن روح عبدالعزيز الملك الموحد بهذه الشجاعة، والله وحده يعلم كيف سنكون لو لم يناد المنادي: الملك لله ثم لعبدالعزيز.
وإذا كان الملك قد أسس في نجد، فإن لحظة حاسمة أخرى صنعت في الحجاز الذي أهملته الدولة العثمانية، وتركته في أحضان الجهل، ليبيع محمد علي رضا زينل ذهب زوجته ويقيم أول مدرسة نظامية في الجزيرة العربية الدراسة فيها مجانية، قبل أن تأتي لحظة أخرى تصبح الحجاز ونجد المملكة العربية السعودية، وتتفجر فيها أول بئر بترول، لتعطي المال للرجال الشجعان القادرين المؤمنين، هبة الله عزوجل لصناعة مجدنا العلمي والاقتصادي.
ومن تلك اللحظات أيضاً إنشاء الملك سعود الوزارات، مما يجعله أحد مؤسسي الدولة الحديثة المتطورة، التي تضع قدمها وخطوتها الأولى نحو التميز.
من اللحظات المميزة تلك اللحظة التي أمر فيها الملك فيصل بشجاعة متعقلة، ومغلفة بالحلم، بافتتاح مدارس البنات، واستطاع بحكمته أن يمنحهن العلم والمعرفة في وسط الرفض والتخلف والإقصاء.
من اللحظات التي تشدني للوقوف عندها، تلك اللحظة التي تمنى فيها الملك فيصل أن يصلي في الأقصى، ربما لأنها تكشف شخصيتنا كسعوديين مشغولين بمقدساتنا مهمومين بحريتها, مانحيها أرواحنا وأموالنا وكل ما بوسعنا لتحريرها.
أيضاً تلك اللحظة التي منع فيها الملك فيصل النفظ عن الغرب سنة 1973م والتي كانت ومازالت تحمل في نفوس الشباب ملامح العزة والفخر بكل كلمات الملك فيصل التي قيلت وأغاظت ولاتزال الكثيرين.
أيضاً اللحظة التي حمل المكوك الفضائي دسكفري أول رائد فضاء سعودي سمو الأمير سلطان بن سلمان. وتلك اللحظة التي وقف الملك فهد وجيشه وشعبه وقفته العظيمة مع الكويت حكومة وشعباً.
أيضاً اللحظة التي قال فيها غازي القصيبي نحن الحجاز ونحن نجد، رداً على الطامعين بتفرقنا، من أصحاب الادعاءات الكاذبة من متحدثي الإذاعات المشبوهة.
واللحظة التي عاد فيها ملكنا الملك عبدالله من رحلة علاجه، والتي تزامنت مع الثورات العربية، ليتضح لهذا العالم عمق العلاقة بين السعوديين وقيادتهم.
اللحظات كثيرة، وفيها من الجمال ماهو أكثر من أن يرصده مقال، أو يحصيه كتاب، لكن ما أود قوله هنا: إن لحظاتنا العظيمة لن تتوقف بإذن الله ما دمنا هنا حكومةً وشعباً.