التعبير عن حب الوطن ليس فقط بالإعلانات والتصريحات والحفلات والمناسبات وإنما في الحقيقة التعبير عن حب الوطن ينبغي أن يكون بالعمل على المحافظة عليه وتنميته وحمايته ودعم القائمين على خدمته. فالوطن له معان عديدة وليس فقط اسمه وموقعه، ووطننا ليس ككل الأوطان ففيه قبلة المسلمين بيت الله الحرام بمكة المكرمة وفيها المشاعر المقدسة والتي لا يكتمل ركن الإسلام الخامس إلا بها، وفي وطننا قبر أشرف خلق الله كلهم سيدنا وحبيبنا محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مكة المكرمة تآلفت فيها قلوب شعوب العالم الإسلامي باجتماعها السنوي لحج بيت الله الحرام، وفي مثل هذا اليوم من كل عام أصبح واجب علينا أن نحتفل بالإنجاز الذي تم فيه، وللحقيقة فإن من يتابع الإنجازات العظيمة التي قامت بها قيادتنا خلال الخمسين عاما الماضية تأكد له بأن هناك تطورا لا يمكن مقارنته بأي تطور في أي دولة مجاورة أو بعيدة، ومن يقرأ التاريخ أو يستعرض فيلماً وثائقياً عن الحال في وطننا بكامل حدوده وحاضره اليوم سوف يذهل بهذه النقلة الحضارية التي نعيشها ويعيشها وطننا وهي تطور ليس في الحجر والجبل وإنما هو تطور للإنسان أولاَ ولفكره وعلمه وإبداعه رجلاً كان أم امرأة وهو تطور لمعيشة الإنسان الاقتصادية، نعم لقد من الله على هذا الوطن بقيادة حكيمة وهي في غنى عن مدحي وإشادتي وإنما الإنجازات الحضارية هي التي تدفعني وغيري للكتابة والإعادة فيها لتذكير أبناء جيلنا الجديد بأن هذه الصورة الجميلة لوطننا في جميع المجالات هي ليست الصورة له قبل نصف قرن أو عند بداية التأسيس للدولة السعودية، لقد استطاع القائمون على هذه الدولة بناء دولة حديثة تعتمد على سماحة ديننا الإسلامي وعقيدتنا السمحة متمسكة به ولا تفرط بحدوده، لقد بنيت المدارس والمعاهد والجامعات ومن الجامعات تخرج العلماء والمفكرون والمهندسون ورجال الأعمال الذين شاركوا في بناء هذا الوطن.

ومن أهم الإنجازات العظيمة التي نحتفل بها في هذا العام وضع حجر الأساس لتوسعة الحرم المكي الشريف الجديدة والتي ستؤرخ للحكم السعودي ولخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حفظه الله وهي إنجاز عظيم غير مسبوق على مر التاريخ، والإنجازات عديدة في جميع أنحاء الوطن ولكن إنجازاً عظيماً قد تحقق لسكان منطقة مكة المكرمة هو الإعلان عن البدء الفعلي لإنشاء سوق عكاظ التاريخي من خلال مبادرة صاحب الفكرة بإعادة تاريخ أمجاد هذا السوق إلى الحضارة الحديثة تأكيداً لعراقة تاريخ التجارة في هذه المنطقة وعراقة الشعر العربي الأصيل فيها وذلك بتضامن هيئة السياحة السعودية مع أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل صاحب المبادرة بإنشاء مدينة سوق عكاظ السياحية على مساحة عشرة ملايين متر مربع لتكون مدينة سياحية متكاملة تدعم استمرار وتطوير سوق عكاظ التاريخي، وهي خطوة تنمي عن تفكير عصري في إدارة وتشغيل المناطق الأثرية والتاريخية، فسوق عكاظ هو سوق تجاري قبل أن يكون ثقافيا والثقافة كانت نشاطا جانبيا من أنشطة ترويج السوق فقد اشتهر سوق عكاظ عند العرب كأهم أسواق العرب وأشهرها على الإطلاق وكانت القبائل العربية تلتقي لمدة شهر من كل عام يبيعون بضائعهم وينشدون الشعر ويتفاخرون به وكان سوق عكاظ منبراً اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً وثقافياً.

وترسيخاً لمكانة الطائف كان الاهتمام بتطوير فكرة سوق عكاظ ليصبح مدينة متكاملة تخدم التجارة والثقافة في وطننا الغالي.

لقد شاركت قبل أيام في حفل افتتاح الدورة الرابعة لسوق عكاظ مع مجموعة من رجال الأعمال والمثقفين، ولأول مرة أشارك انبهرت بالافتتاح الرائع والإعداد والإخراج لمسرحية تجسد دور حكيم شعراء الجاهلية زهير بن أبي سلمى، لقد كانت مسرحية تستحق الإشادة والمديح أداء رائعاً متناسقاً من مجموعة سعودية وعربية شاركت في تقديم فن قد لا نراه في أكبر المسارح العربية ذات التاريخ العريق، أقيمت هذه المسرحية داخل خيمة عملاقة لا يشعر من بداخلها أنه وسط الصحراء القاحلة التي لا نور ولا ما فيها إلا نور وماء وحياة السوق الجديد، انتهت المسرحية وانتهى الحفل ورجعت إلى جدة أتبادل الحديث في الطريق مع اثنين من الأدباء السعوديين متسائلاً هل سيتحقق حلم خالد الفيصل في سوق عكاظ مثل ما تحقق حلمه في عسير؟

لقد كان في عز شبابه عندما كان يحقق حلمه في جبال عسير إلا أنني كنت وما زلت على ثقة كاملة أن شباب المشيخ عند خالد الفيصل سيحقق حلمه بحكمة الكبار وحماس الشباب لدى الأمير الشاب سلطان بن سلمان الذي أعاد لهذا الوطن تاريخه الأثري وأحيا آثاره بعد أن دفنت وسجل تاريخها في اليونسكو بعد أن نسيها المؤرخون.

إنجاز يستحق الشكر والتقدير لخالد الفيصل ورجاله, حتى وإن رفض كلمات وأبيات الشعر التي بها شكر وثناء له إلا أنني أستميحه عذراً لأن أقول له من لا يشكر الناس لا يشكر الله والشكر والثناء الغير مبني على نفاق هو مشاعر جياشة في نفوس البشر لا يمكن منعها ورفضها، فكما يكون النقد صادقاً ينبغي أن يكون الشكر والتقدير صادقاً وأميناً.