فإذا خرجت من نفسك ـ حيث وجدت مزاجك مجرد نغمةٍ تنتقل من مقام حزين، إلى آخر طربي مبهج، وتعيشها معزوفةً على "الناي" تارةً، وعلى "البُزُقِ" تارةً أخرى ـ إلى العالم من حولك، فستجد حيثياتٍ عديدةٍ تنقل فرضية الأوتار الفيزيائية إلى نظريةٍ مستقيمة، تنتظر باحثاً عبقرياً كـ"مهند جبريل أبودية" لـ"يُدَوزِنَها" بقانونٍ دقيقٍ، لن يكون إلا سُلَّماً موسيقياً لانشاز فيه ـ وتبارك الله أحسن الخالقين ـ يفسر لنا كثيراً من الظواهر، والأحداث، بل ويمكننا من فهم نفسيات وشخصيات الآخرين، ومن ثَمَّ التفاهم معهنَّهم بما يتناغم مع سلم الحياة الجميلة!
فمثلاً تستطيع أن ترصد تاريخ الحضارة، الذي يبدأ بدائياً بدوياً رعوياً، بسيطاً في همومه، بسيطاً في تفكيره: إنه "ربابةٌ" بوتر واحدٍ، وقوسٍ واحد، يصنع من "سبيب" الخيل والإبل ـ شعر الذيل ـ ومن جلد عنـزٍٍ! ولهذا لخص البدوي فتنة الحياة /الربابة التي أطربت حبيبته:
يا بنت لا يعجبك حِسَّ (صوت) الربابة * ترى الربابة شَنْ (جلد) مطوي على عود!
ولعلك تلاحظ اختلاف ربابة أبناء الجزيرة العربية، عن ربابة بادية شمال أفريقيا، عن ربابة العراق وماوراء النهر، عن ربابة أوروبا/ "الكمان" الذي لم يظهر إلا مع الثورة الصناعية؛ حيث تعددت أوتارها وأحجامها، كنايةً عن تعقد الحياة، وتقدم الحضارة؛ حتى في المجتمعات "الاستهلاكية"، بعد أن كان البدوي قبيل الطفرة الأولى يغني أقصى طموحه على ربابته:
يا الله بالجنة وخَمْسِطْعَشرْ ألف * وستٍّ من الـمِعْزى وسِتٍّ من الضان!
فلم يكن يعاني من الحصول على أرضٍ وقرضٍ، ولا يحتاج لملفٍّ علاقي أخضر، يستنسخه مئات النسخ بحثاً عن لقمةٍ يتحكم فيها أجيال من "الطبول".. طبوول؟ كم مرة واجهت فيها هذا النوع من الناس؟ وهل هو نوعٌ واحدٌ أم "دفوف"، و"طيران"، و"زيران"، و"رِقٍّ"، و"دَرَبِكَّة" و..يعيش "المروِّس"!! وهل يفسر هذا "التعدد الطبولي" ازدواجيتنا في التعامل مع المرأة: حين يرتفع الصوت هنا وهناك مطالباً بحقوقها، فإذا تساءلت: ما الذي يمنع من تفعيل تعاليم الشرع وقيم الدين الحنيف على الواقع؟ اكتشف أنه كان "مطابلاً" لا "مطالباً"!!
أما على صعيد الظواهر، فقد لا تكون سخيفاً لتفسر الكوارث الطبيعية بقول شاعر/ "مايتسماش" لـ"حاكم بقضاء الله وقدره" ما"يتسماش برضو"، وقد تعرضت القاهرة لزلزال عنيف ليلة العيد:
ما زُلْزِلَت مصرُ من سوءٍ ألَمَّ بها * لكنها رقصت من عدلكم طربا!
ولكن كيف تفسر ـ إلا بنظرية الأوتار ـ انتشار "الطبول" بأنواعها في العالم العربي، فيما تسود آلة "القانون" في "تركيا" مثلاً؟ و..ليتك معي "سااااااهرٍ" ليل الهوى كله!