على طريقة الساحر "ديفيد كوبر فيلد" يخرج شاعر الحكمة زهير بن أبي سلمى من صندوق على جانب المسرح، على الرغم من أن أبا كعب الذي عاش ـ كما تقول الرواية التاريخية ـ قرنا من الزمان ما فتئ بارزا حاضرا، ومبجلا في قومه.

هكذا أراد مخرج العمل ربما، أو معالجه كذلك لهذه الشخصية التي أوقفت نزفا قبليا ناف على الأربعين سنة من القتل، وإهلاك الحرث والنسل، لقد أحب المخرج ـ وهو هنا المعوّل في مشهدية العمل إذ يملك وحده قرار الرؤية البصرية ـ أحب أن يجعل لزهير الكبير أن يخرج وفق حالة وهالة درامية مثيرة، لكن كلا الأمرين لم يحدثا، خرج زهير بصورة طارئة، مهترئة، وغير دالة على الشخص الحدث، والبطل الذي يفترض فيه أن يكون معادلا موضوعيا للعمل برمته.

ما بين قوسي المسرحية لم يصل للمتلقي، إذ غرقت في تنازع الأحداث المتكئة على الحدث الأهم مع سعي الكاتب والمخرج على "الوصل" بالحالي والمعاصر حدثا وأبعادا، ومع ذلك فلا يمكن إغفال الجهد السينوجرافي" إضاءة ومؤثرات وغيرهما" على الرغم من أن إبراز المجاميع بكل تلك الدماء والقروح لم يكن محببا، وكان مشتتا لإشارة العمل الرئيسة حيال المعارك الدامية، وتدخُّلِ عظيمي ذبيان هرم بن سنان، والحارث بن عوف، خاصة هرم الذي دفع دية ثلاثة آلاف من القتلى. ولو سئل أحدنا عن البطل في الفعل المسرحي العكاظي لقلنا القصيدة وحدها، إذ كانت المعلقة الشهيرة ميدانا للمعالجة المسرحية التي جعل منها مؤلف العمل شادي عاشور بعدا رئيسا للحوار، واستند إليها مخرجه رجاء العتيبي لتكون مناطا لحركة الشخوص، وانفعالاتهم، إضافة إلى ابتعاده عن "البلي باك" وهذه محمدة يشكر عليها. بقي أن نشير ـ وهذا رأي شخصي ـ إلى أنه لم يكن مقبولا أبدا أن يلحن زهير وهو الذي كان يبدع القصيدة في شهر، وينقحها حولا، حتى إنه ألحق بعبيد الشعر دلالة على عنايته وشدة حرصه على إخراجها ساطعة لامعة مبرأة من عيوب الكلام. كما أن تعمية الإسقاطات من خلال حوار عائم أدى إلى ضياع الرسالة، إلا إذا كان الفعل المسرحي يريدنا أن نتذكر زهيرا ومعلقته، وحضور هرم بن سنان النخبوي مباشرة، فأظن ذلك لم يحدث إذ غاب زهير وصاحباه في فوضى الدم والقروح وحركة الكائن الصغير.