الاحتفاء بيوم الوطن مناسبة لرد بعض الجميل لأولئك الرواد الذين صنعوا هذا الكيان العظيم بسيوفهم وعقولهم وقلوبهم. لذلك القائد الفذ الذي حول الصحراء إلى جنان خضراء، وجعل الأمن والنماء أكبر عناوين هذه الأرض. عبدالعزيز الذي جاهد وعمل لتكون هذه المملكة العظمة والإباء والعزة، وأبناؤه الذين نهجوا نهجه.
نستذكر اليوم ما قدمه لنا هذا الكيان العظيم. نتشارك في استرجاع الماضي ومكوناته وأسلوب حياته، لنعرف كيف كنا وأين أصحبنا. نجذِّر من خلال هذا اليوم حب الوطن.. كل الوطن. نقارن بين ما حققه الوطن وما يمكن أن نحققه نحن للوطن.
هذا الوطن الذي يضمنا، فيه نشأنا، وفي جنباته ترعرعنا، بين أرجائه تحيا ذكرياتنا، وعلى أرضه نبني آمالنا، ونصنع التاريخ كما صنعه آباؤنا من قبل. أين نجد مثل هذا الوطن؟؟ سؤال لا يمكن أن يجيب عليه أحد إلا بالنفي. هذا الوطن متفرد بجمال وعظمة لا يمكن أن يصل إليهما غيره من الأوطان. للحياة هنا طعم آخر، وللهواء عبق مختلف.
أبحث في زوايا وطني، فينتهي الكلام وتعجز المساحة عن احتوائه. هو وطن الإيمان العميق بالخالق سبحانه الذي تراه في كل جانب، وهو وطن الحضارة والنمو الذي ينتشر ويبهر كل من يتابع، وهو وطن يستوعب أبناءه يعفو عن المخطئ ويشجع المبدع.
المساجد في وطني هي الأكثر انتشارا في العالم. حلقات العلم وتحفيظ القرآن ودروس العقيدة والفقه والسير تنتثر عبقا في وطني. الحرمان الشريفان والمشاعر المقدسة يتوجان رأس هذا الوطن. والعناية بهما شرف يتنافس لتحقيقه كل قادتنا. تسخر الدولة للحجاج والمعتمرين خدمات لم يسبق أن قدمت في التاريخ. الجامعات تتخصص في أدق فروع المعرفة الشرعية. تستقبل طلبة العمل الشرعي من كل أنحاء الوطن ومن كل دول العالم. رابطة العالم الإسلامي ومنظمة المؤتمر الإسلامي يتخذان من هذه الأرض المقدسة الوطن، ويجدان في حكومتها وشعبها الدعم والحب والمؤازرة.
الجمعيات الخيرية تتنافس للوصول إلى المحتاج أينما كان. يتبارى قادة وأبناء الوطن في تقديم الصدقات والزكوات والتبرعات لكل من يحتاج داخل هذه الأرض. العالم كله يستفيد من حملات هذا الوطن وتبرعات أبنائه. كوارث كبرى في دول كثيرة عالجتها أياد تنتمي لهذا الوطن ببذل وعمل وعون غير محدود.
هذا الوطن كان قبل ستين سنة فقط من أفقر دول العالم. كان من يزور هذه البلاد أو يأتي للعمل فيها يضطر لإحضار كل شيء، حتى الإبرة. كان الطريق المسفلت حلما، بل إن الكثير لم يكونوا يعلمون ما هو هذا الإسفلت. كان يقين المواطن أن نقله لا يتم إلا عن طريق الدواب، فوضع العلف أمام السيارة عندما رآها لأول مرة. لم يكن المواطن يعرف أي شيء سوى فلاحة الأرض ورعي الماشية.
ينتمي ذلك المواطن اليوم لإحدى دول مجموعة العشرين. أكبر اقتصاد عربي، المركز القادم للصناعات البتروكيماوية والنفطية في العالم. السوق الأول في المنطقة بناتج محلي إجمالي يبلغ 2350 مليار ريال، وحجم صادرات وصل التريليون ريال. دولة تشجع الصناعة والتجارة وتقدم التسهيلات والقروض الصناعية والزراعية والعقارية.
يعيش المواطن اليوم أمن الأوطان في كل أرجاء المملكة، بمكالمة هاتفية تستطيع أن تصل إلى أغلب خدمات الطوارئ. بعد أن كانت أرض "حنشل"، تتقاذف المسافر والقاطن فيها عصابات السرقة والترهيب والاستقواء.
دولة تعيش فيها الأرامل والمطلقات والأسر ذات الدخل المنخفض تحت عين وعناية الحكومة التي تنفق أكثر من اثني عشر مليار ريال لرعايتهم. هذه المبالغ مرشحة للارتفاع بحكم متابعة وحرص خادم الحرمين الشريفين على ضمان خفض نسب الفقر ودعمه الشخصي الذي أصبح استراتيجية للدولة لجعل المملكة دولة خالية من الفقر.
دولة قررت أن تقدم عوائد تصرف للعاطلين عن العمل كوسيلة لتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لكل مواطن خلال فترة بحثه عن العمل الذي يناسب مؤهلاته.
وطن يقدم الخدمات التعليمية من خلال حوالي ثلاثين ألف مدرسة تحوي ما يزيد على مئتي ألف فصل دراسي. هذه الأعداد لم تتجاوز 330 مدرسة جلها من المدارس الابتدائية قبل ستين سنة. يضاف لهذا الجامعات التي تجاوز عددها الثلاثين في هذا العام، مقارنة بكلية وحيدة للشريعة وأخرى للمعلمين في العام 1372. أتاحت الدولة الفرصة للجميع، وعندما لم تتمكن الجامعات السعودية من سد الاحتياج، بعثت الدولة أكثر من مئة ألف من أبنائها للحصول على التعليم العالي خارج المملكة. تقدم الدولة مكافآت لطلبتها داخل وخارج المملكة بما يضمن تركيز جهدهم الفكري والبدني في مجال دراستهم.
مملكة إنسانية يعمل فيها اليوم أكثر من 200 مستشفى حكومي بسعة تجاوزت خمسين ألف سرير، ومراكز رعاية صحية أولية تجاوز عددها الألفين. تقدم الخدمات الصحية للمواطن من خلال وزارة الصحة وعدد من الوزارات والجهات الحكومية الأخرى.
تأمُّل الماضي ومقارنته بالحاضر، ستولد لدينا جميعا قناعة أن هذه الذكرى لا بد أن تكون ملء العيون والقلوب والعقول. فنحمد الله على نعمته التي أفاض بها على هذا الوطن وأهله. ونعقد العزم على أن نرفع اسمه عاليا، كل في مجاله. لنفتخر بكوننا جزءا من هذا الإنجاز العظيم. ونعلم أبناءنا أن حب هذا الوطن بالذات هو الإيمان. ونتفق على أن نتوقف يوما احتفاء بالوطن.