يؤكد الخبير القانوني، نائب رئيس مجلس الولايات السودانية الدكتور إسماعيل الحاج موسى أن تبعات الانفصال المتوقع بين شمال السودان وجنوبه ستكون قاسية ومؤلمة للطرفين، مدللاً على ذلك بأن الجميع عاشوا في وطن واحد منذ الأزل وسيكون من الصعب عليهم التعايش مع الوضع الجديد. كما وجه موسى في حوار مع "الوطن" تحذيراً للحركة الشعبية لتحرير السودان من عواقب ما أسماه اللعب بالنار من خلال إيواء مسلحي دارفور، داعياً إياهم للاهتمام بعملية البناء الداخلي لدولتهم المتوقعة. وعن مفاوضات دارفور الجارية في الدوحة يشير موسى إلى صعوبة المفاوضات بسبب حالة الانقسام المتزايدة وسط الحركات المسلحة في دارفور.
تبعات مؤلمة
عن مآلات الانفصال المتوقع يقول موسى "السودان في الأيام المقبلة سيمر بوضع حرج للغاية، لأن مخاطر الاستفتاء القادم أكبر مما يظهر في سطح الأحداث الآن وتفاصيله تأتي بالخفايا التي لم يتحسب لها الناس إلى الآن، خاصة إذا جاءت النتيجة بالانفصال، وهو المرجح حالياً. تبعات الانفصال بالتأكيد مؤلمة لوطن عاش موحدا فترة طويلة من الزمن وارتبطت كل أشكال حياته مع بعضه البعض، فكيف يمكن فصل كل هذا بدون جراحة مؤلمة؟ التبعات ستكون كبيرة وقاسية على الجنوبيين والشماليين على حدٍ سواء".
مصاعب متعددة
وعن تبعات ما بعد الانفصال ومصير الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب إذا ما تم الانفصال، يقول موسى" قانون الاستفتاء جاء غامضاً، إذ إن قانون الجنسية غير واضح. وضع الجنوبيين الذين يتجاوزون ثلاثة ملايين في الشمال سيكون معقداً أكثر، لأن حياتهم قد ارتبطت بالشمال وفجأة سيجدون أنفسهم غير سودانيين وليست لهم حقوق المواطنة. هناك أيضاً قسمة الديون المترتبة على البلاد وكيف يمكن توزيعها والاتفاق عليها، كما أن النفط سيكون من أكبر المشاكل، لأن معظمه يوجد في الجنوب ولكن الاستفادة منه تتم عن طريق الشمال من خلال البنية التحتية المؤسسة".
وعن السبب في خفوت الأصوات الوحدوية في مقابل ارتفاع النزعة الانفصالية ينحي موسى باللائمة على الجنوبيين قائلاً "منذ رحيل الدكتور جون قرنق سعت الحركة الشعبية لتحقيق الانفصال بكل جهد ممكن وركزت على جعل الوحدة غير جاذبة. اللافت للنظر أن مواطن الشمال بدأ ينظر للانفصال كحل مُرْضٍ له بعد التعنت الجنوبي الواضح".
شوكة في الخاصرة
وعن مصير أبيي التي ما زالت تمثل مشكلة رئيسية ولم تجد سبيلها للحل من الجانبين يقول موسى إن "أبيى تظل أم المشاكل الموجودة وفي الغالب وحسب المؤشرات لن يكون هناك استفتاء على أبيي قريباً. التصريحات التي لا تبشر بخير من كافة الأطراف تبقى مؤشراً على إمكانية وقوع صدامات مسلحة بين الجانبين، ولاسيما مع تصاعد الخطاب الجنوبي الحاد في هذا الخصوص. ما يزيد الأمور تعقيداً أن سكان دينكا نقوك الذين يعيشون في أبيي هم الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً في الحركة الشعبية، كما أن قبيلة المسيرية العربية التي تعيش في نفس المنطقة لا يمكن تجاوزها، ناهيك عن تقسيم البترول الموجود ووضع الشركات العاملة هناك".
التنمية بديلاً للتوتر
وعن شكل العلاقة المستقبلية بين الجانبين، وهل ستكون علاقة ودية أم إن الأوضاع مرشحة للتصاعد يوجِّه موسى أصابع الاتهام للطرف الجنوبي، متهماً إياه بالبدء في تعكير الأجواء قائلاً إن" الحركة الشعبية بدأت باللعب بالنار من خلال إيواء متمردي دارفور وهو ما لم تحسب عواقبه جيداً، إذ إن الجنوب إذا انفصل ينبغي أن ينشغل بالبناء الداخلي للدولة التي لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة وتحتاج إلى الكثير من الجهد والمال".
واستدرك موسى بالقول "إذا غيّرت الحركة الشعبية منهجها الحالي واتجهت للسلام مع الجار الجديد في حال الانفصال، وهذا هو الخيار الأمثل لهم، فإنهم سينعمون بأمن واستقرار، خاصة أن دولتهم الجديدة تفتقر إلى أبسط احتياجات الدولة ولا توجد بنية تحتية ولم يؤسس لخدمة مدنية ولا حتى عملة خاصة بها، هناك الكثير من المصالح المشتركة بين الشمال والجنوب، وهذه لا يمكن أن تنفصل بين عشية وضحاها ولا بد من مراعاة حسن الجوار بين الطرفين".
مفاوضات دارفور
وعن الأوضاع في إقليم دارفور ومستقبل عملية السلام الجارية في الدوحة يبدي موسى تشاؤمه بسبب حالة الانشطار الواقعة في الحركات المسلحة، ويقول إن "الحركات المسلحة التي تدعي أحقيتها بالتفاوض أصبحت لا تعد ولا تحصى، وهي في حالة تكاثر دائم وبات السياسيون لا يعرفون من يحاورون. المفاوضات الجارية في الدوحة أرجو أن تسفر عن خير للبلاد وإن تنجح في لم الشمل والحكومة مصرة على إنجاحها".