تضمنت المادة (15) من نظام مجلس الشورى أن من مهام المجلس : "مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها"، وتأسيساً على هذه المادة فإن المجلس يمارس دوره الرقابي عن طريق دراسة ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الأجهزة الحكومية إليه، وفي هذا الصدد ذكرت إحدى الدراسات السعودية المتخصصة بهذا الشأن أنه تم إجراء استطلاع للرأي لمعرفة التقويم العملي لرقابة مجلس الشورى .

وكانت من نتائج هذا الاستطلاع : "أن التقارير الحكومية غير حيادية، نظراً إلى أن الأجهزة الحكومية تبرز إنجازاتها وتخفي إخفاقاتها ومعوقات عملها أو أدائها الضعيف وعدم إنجازها".

وبناءً على النتيجة السابقة أطرح الأسئلة التالية : ما مشكلة التقارير السنوية للجهات الحكومية، وما هي طبيعتها؟ وما هي الآثار المترتبة على هذه المشكلة، وكيف يمكن حلّها؟

في الحقيقة أن بعض الأجهزة الحكومية تعمد في تقاريرها السنوية إلى تضخيم منجزاتها بشكل مبالغ فيه، وهي في الغالب تكون وصفية إنشائية، مع تطعيمها ببعض الجداول الإحصائية والرسوم البيانية والصور الفوتوغرافية المثالية، التي لا يستفاد منها في عملية التحليل المعلوماتي لهذه البيانات، بالإضافة إلى أن معظم هذه التقارير لا ترتبط منجزاتها بما ورد في الخطة العامة للتنمية وما حققته خلال الخطة التشغيلية السنوية.

وعند مناقشة هذه الجهات بأية سلبيات أو معوقات تمت إثارتها في الأساس عن طريق الوسائل الإعلامية المختلفة، فإن الإجابة لا تخلو من سببين هما: نقص الكوادر البشرية، ونقص الاعتمادات المالية! وفي بعض الأحيان قد يكون هناك سبب ثالث وهو تحويل المسؤولية إلى جهة حكومية أخرى أو عدم التعاون معها.

هذا وقد تتضمن التقارير السنوية مسبقاً هذه الأسباب، وذلك لسد الطريق أمام أية تساؤلات قد تثار حول أدائها، وفي المقابل أيضاً الحصول على الدعم المطلوب في زيادة الاعتمادات المالية.

من الممكن أن تكون هذه الأسباب صحيحة في بعض الجهات ولكن من يثبت حقيقة ذلك؟ وبالتالي فإن مجلس الشورى يبقى حائراً أمام هذه المبررات والتعليلات، لأن المجلس لا يستطيع التحقق من مصداقيتها ولا التحقق من مصداقية المعلومات الواردة في التقارير السنوية، مما يؤثر ذلك بالسلب على الدور الرقابي للمجلس، حيث سيتم التعامل مع هذه التقارير بصورة شكلية، ولا يتم دراستها فعليّاً، وتظهر توصيات لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع .

وبناءً على ما سبق، فإن معظم الجهات الحكومية قد أفلتت من المحاسبة والمساءلة وسوف تعمد إلى تضخيم منجزاتها من سنة إلى أخرى، وإلى التعتيم على مشاكلها ومعوقاتها، وليس هذا فحسب، فإن الأمر سوف ينعكس بالسلب على أداء هذه الجهات مستقبلاً، وعلى أداء موظفيها أيضاً، لأن التركيز سوف يكون على الكم وليس على جودة العمل ونوعيته، فقد تحرص وزارة الصحة على سبيل المثال إلى تقليل نسبة الوفيات في المستشفيات، لأن ذلك يعد مؤشر أداء جيد بالنسبة لها، وعليه قد تعمد المستشفيات إلى عدم قبول الحالات الحرجة أو المستعصية لكبار السن مثلاً، ولذلك للتقليل من نسب الوفيات فيها، وذلك حتى تظهر بالشكل الجيد أمام الوزارة في تحقيق أهدافها.

أو قد تعمد بعض الجهات الرقابية إلى زيادة عدد المخالفات والضبطيات حتى لو كانت ذات أهمية نسبية منخفضة، وذلك على حساب معالجة الأسباب الرئيسية لحدوث مثل هذه المخالفات والأهمية النسبية العالية لها.

وبالطبع فإن عدوى هذا السلوك وهذه الممارسة سوف تنتقل من الوزارات إلى فروعها، التي بدورها سوف ترفع تقارير سنوية شكلية ومضللة إلى الوزارة لا تسمن ولا تغني من جوع، مادام ذلك يصب في مصلحتها، بل وأيضاً سوف تكون معوقاتها هي نفس المعوقات سالفة الذكر من نقص الاعتمادات المالية والكوادر البشرية وضعف التنسيق مع الجهات الأخرى، وبالتالي تتعامل الوزارة مع هذه الفروع، على نفس الوتيرة التي تتعامل معها وزارة المالية في عملية تقدير الميزانية واستحداث الوظائف، فتضيع المساءلة وتسوء الخدمة وتصبح المشكلة أكثر سوءاً.

أما بالنسبة لتبرير بعض الجهات لنقص الاعتمادات المالية، التي تزعم أنها السبب الرئيس في مشاكلها وسوء خدماتها، فإن الذي قد يحصل على سبيل المثال هو عدم الوضوح في وضع أولوياتها من المشاريع المقترحة في ميزانياتها، فقد تضع مشروعاً مهماً يتعلق بالأهداف الرئيسية لها في مرتبة متدنية في مقابل مشروع أقل أهمية يكون في مرتبة أعلى، هذا بالإضافة إلى أن بعض الجهات تحقق وفورات مالية في نهاية السنة أو أنها تقوم بصرف هذه الوفورات في الشهور الأخيرة في بنود تتعلق بالأثاث أو مصاريف سفرية، ومع ذلك تشتكي من نقص الموارد المالية؟! وهذا ما ينطبق أيضاً على المبررات الأخرى، مثل ضعف التنسيق مع الجهات الأخرى، فعند مناقشة الميزانية تصرّ بعض الجهات على أن أمراً ما يعد من اختصاصاتها الرئيسة؛ وذلك في سبيل الحصول على الاعتماد، وعند حصول مشكلة حول هذه المسؤولية فإن ذلك ليس من اختصاصها، أو أن الجهة الأخرى لم تتعاون معها.

وفي النهاية فإن مجلس الشورى بحاجة ماسّة إلى وجود جهة محايدة لفحص التقارير السنوية والتأكد من مصداقيتها، ومن المشاكل التي تواجه الجهات الحكومية التي تهم المواطن بشكل رئيس، ولها في ذلك إما أن تستعين بديوان المراقبة، أو عن طريق تشكيل لجان من خلال المجلس لتقوم بهذه المهمة، أو بكليهما معاً، بالإضافة إلى القيام بدراسات تحليلية من قبل المجلس تتعلق بربط خطط التنمية بالتقارير السنوية، وعمل تحليل مقارن لتقارير أجهزة الرقابة الإدارية واستخراج المؤشرات المطلوبة منها، لتكوين رؤية واضحة وشاملة لأداء الجهات الحكومية.