انتهى البرنامج بابتسامة بشعة لزجة من الطرف المعاكس الذي ما فتئ يكرّر "الثورة المزعومة" ويحصي مغالطاته بأرقام الخديعة وبصور مصادَق عليها من إعلامه الدجّال بهويّته التي انطبعت بالكذب والتزييف والتزوير.. انتهى البرنامج ليبدأ الشريط الإخباري عن الذبح اليومي بوتيرته المتصاعدة، حيث الدم وثيقة الإحصاء والرقم الصّلْب والشمس التي تكشف لؤمَ الابتسامة ووضاعتها أمام نهر الدم الزكيّ الهادر إنّ عقارب الساعة لن تدور إلى الوراء.

الذبحُ اليوميّ الذي تفنّن فيه جنود الرئيس، يأتي في ذلك المساء بمشهد تعجز عن إدراكه المخيّلة وإنْ أفرطتْ وشطحت إلى الأقصى وإنْ أفلتتْ من مدار الجاذبيّة الإنسانيّة. ثمّة حدّ لا يردع المخيّلة وحدها فقط، بل إنّ الحسّ البشري لا يستطيع تجاوزها.. لكنّ جنود الرئيس لهم من طلاقة المخيّلة وتكسير الحدّ في عالم الأحاسيس؛ لينهارالجدار وتطلع كائنات بالغة الدمامة مترعة بالحقد الضاري، ويتعفّف الضبع وينزّه نفسه أن يبلغ مبلغهم.

جنود الرئيس يفتكون بالحمير. المسألة ليس فيها مجاز ولا تقريبٌ للصورة. بنادقهم الآلية مشرعة، وصوت الطلقات يتتابع فيما أجساد الحمير تتهاوى. مشهد مرعب. يشحب الهواء وتتغشّى العين بالضباب. الخسّة وحدها في قناع الجنود تتمشّى بين الدم الفائر والجثث. العطشُ القديم وقد بانت له الفُرجة، لا ينتوي رفقاً. كأنما الهامة التي تصيح "اسقوني" خرجت من القبر والأسطورة تريد أن تنكر؛ فيعالجها جنود الرئيس بالرصاص: نحن نبتكر الأسطورة الجديدة فعودي إلى النوم. نحن "الثأر" لا نشبع من الدم؛ دم الإنسان.. دم الحمير.. الدم.. الدم.

أين تربّى جنود الرئيس؟

أيّة حاضنة غَذّتْهم؟

ما الذي ازدردوه مع صور السيّد الرئيس؟

كيف هي اليدُ الكاسرة.. كيف هو القلب الذي كفّ أن يكون عضلة فتخشّب؟

تزدحم علامات الاستفهام، وتضيع. الإجابة مثقلة وآسنة عن فجور الإجرام وتهتّك الخطيئة. هل كنّا نسمع عواء الرصاص وعويل الضمير يخترق الشاشة؟.. فمُ الجروح الحيّة التي انفتح على آخره ولا ثمّة من يتلقّى أو يردم. وحدهم جنود الرئيس توسّدوا الساحة وفتحوا أشداقهم تلتهم أنبوب الدم؛ مصل البقاء يطيلون به عمرا لن يطول.

ما عاد جنود الرئيس يشبهون الإنسان.. ما عادت لهم جذور تنتمي إلى الأرض. بلغوا... ماذا بلغوا؟.. توقّف عن الوصف. لن يجديك نفعاً ولا مقاربة:

"هل رأيتَ بعينكَ الروثَ القديم

يصير في جيدِ الرماةِ

قِلادة؟".