إنها نسبة كبيرة، ما يزيد عن ثلاثين بالمئة من السعوديين لا يمتلكون منازل خاصة، وإنما يسكنون بالإيجار، مما يشير إلى تفاوت كبير ومخيف للغاية، بين ما هو ممكن وبين ما هو متحقق على الأرض.

هذه القضايا باتت هاجسا يؤرق الجميع، والقرارات الملكية الأخيرة التي جاءت في سياق الإصلاح والدعم المستمر والتلبية المتواصلة لاحتياجات المواطنين، وضعت قضية الحصول على سكن خاص للمواطنين في طليعة اهتماماتها، وحملت الكثير من الأوامر السامية التي تدعم عملية التملك، وتسعى لإصلاح مختلف العوائق التي جعلت من السكن الخاص حلما بعيد المنال لدى شريحة ليست بالقليلة من أبناء هذا الوطن.

فيلم مونوبولي ذائع الصيت رغم أنه لم تمر أيام قليلة على بثه على شبكة الإنترنت إلا أنه حظي بنسبة مشاهدة واسعة، نظرا للسخرية التي انتهجها الفيلم في معالجته لأزمة الحصول على سكن، أو أرض، أو حتى الحصول على إيجار بسعر مناسب للأوضاع المالية للجيل الجديد من الشباب، ومع أن الفيلم قد تميز بمعالجته التي دمجت الجاد والعلمي بالساخر، من خلال شهادة بعض الخبراء الاقتصاديين، ومع أن الفيلم قدم نمطا فنيا جديدا على مستوى المعالجة إلا أنه لم يطرح جديدا على مستوى القضية، بل هي القضية الأكثر حضورا في أذهان وتطلعات وأفكار كثير من السعوديين.

إنه من المؤلم للغاية أن نجد تلك النسبة التي تعتبر عالية جدا من السعوديين الذين لا يمتلكون مساكن خاصة، إذ يقضي نسبة من السعوديين أعمارهم في سداد أقساط تشاطرهم نصف دخلهم الشهري، ولمدد تزيد عن عشرين عاما في بعض الأحيان. لنعتبر أن كل ما مضى كان تراثا وماضيا مزعجا، ولنتتبع معا وبكل حياد، ماذا فعلت الدولة لحل هذه الأزمة؟

في الواقع لقد كان التدخل القيادي للتعامل مع أزمة الإسكان قويا ومؤثرا للغاية، بل وعلى مستويات آنية ومستقبلية، والتوجيه الملكي الكريم ببناء نصف مليون وحدة سكنية، ورفع سقف القرض العقاري إلى نصف مليون ريال ودعم صندوق التنمية العقاري بمبلغ مئة وخمسين بليون ريال يؤكد جدية واضحة في التعامل مع هذا الملف، من أجل إيجاد الحلول الفعلية لتجاوزه أو على الأقل إدخاله في مسار الحل الحقيقي.

لكن ثمة أعطالا كبرى في كثير من مؤسساتنا تخنق مثل هذه الأفكار وتطحنها في مكينتها البيروقراطية العاجزة عن التعامل أصلا مع قضاياها القائمة، فكيف بالإجراءات التطويرية الجديدة.

فيما مضى كانت قروض صندوق التنمية العقارية تتأخر لفترات تصل إلى عشر سنوات، إلا أنه لم يشهد أي تغيير سوى اختصار جزء من المدة لتصل إلى سبع سنوات بعد كل هذا الدعم القيادي السخي، ولعل الذي ضاعف حجم الإحباط لدى السعوديين ذلك التصريح الذي تناقلته مختلف الصحف عن وزير الإسكان في الوزارة الوليدة حين قال: امنحوني الأراضي ثم حاسبوني، مما أوضح للجميع أن ذات العلل والأخطاء القائمة بين الوزارات ومختلف الجهات الحكومية التي يذهب ضحيتها طموح المواطنين واستقرارهم سوف تتكرر ـ لاسمح الله ـ حتى في قضية الإسكان.

لم تعلن وزارة الإسكان إلى الآن عن استراتيجية يمكن من خلالها للمواطن البسيط أن يتنبأ، بالوقت الذي سيجد فيه أنه امتلك مسكنا، وخلافا لبضعة تصريحات عابرة فلا يمكن لأي مواطن الآن أن يقول بأن لدى الوزارة جدولا زمنيا محددا وصارما يتضمن الوحدات السكنية ومواعيد بنائها ومواقعها ومواعيد تسليمها.

الجميع يؤكد أن قضايا الإسكان من أبرز القضايا التي تؤرق خادم الحرمين الشريفين، وأنه يتابع باستمرار ما يستجد في هذه القضية، وأن متابعته ليست مجرد تفتيش إداري، بل هي روح قيادي يدرك أهمية هذا الملف لأبنائه ولحياتهم ولاستقرارهم، ولذلك فالشاهد الأصدق دائما لدى الملك هو المواطن.