اتخذ الغرب قرارات حاسمة في مواجهة نظام القذافي وحماية المدنيين في ليبيا. ولكن ماذا عن دوره في سورية، حيث تستمر الاحتجاجات منذ نحو ستة أشهر، ويستمر معها العنف الذي أودى بحياة نحو 2600 شخص؟ هنا، خلافا لليبيا، لا يبدو الغرب شديد الحماس لمواجهة النظام السوري وحماية المدنيين العزل.

ولم تجد البيانات السياسية والعقوبات الاقتصادية نفعا أو تحقق الهدف المقصود منها حتى الآن. ففي يوم الجمعة القريب، فتحت القوات السورية النار بشكل عشوائي على المواطنين المحتجين سلميا بعد الصلاة في أنحاء متعددة من سورية، في دير الزور وحماة وضواحي دمشق وغيرها. ويبدو النظام السوري مقتنعا بأن الغرب لا يستطيع، وربما لا يرغب، في مواجهة حقيقية معه، أو في قطع علاقاته التجارية والمالية، على الرغم من العقوبات التي يُفترض أن تجعل تلك العلاقات أمرا من الماضي.

وكمثال على ذلك، نشرت صحيفة التايمز اللندنية في عددها يوم السبت تحقيقات عن علاقات النظام السوري بالغرب، ووجدت الصحيفة أن لهذا النظام شبكة من المناصرين والداعمين تزوده بالمال وتساعده في الدعاية لمواقفه من الحركة الاحتجاجية، ولا تقتصر هذه الشبكة على المهاجرين السوريين فقط، بل تشمل بعض أهم الشركات الغربية.

وتوضح تحقيقات الصحيفة اللندنية أن حجر الزاوية المالي للنظام المالي السوري ما زال يعمل بحرية في أوروبا على الرغم من العقوبات، بل على الرغم من الشبهات التي تحوم حوله بالانخراط في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. واستطاع النظام، على الرغم من العقوبات المفروضة على البنوك الرئيسية مثل البنك التجاري السوري، أن يستمر في علاقاته الأوروبية من خلال فروع ومراسلين لم يشملها الحظر، وأسماؤها معروفة لدى السلطات وتمارس عملها في العلن، إلا أنه ليس هناك تحرك لمنعها من ذلك.

وقناة الدنيا التلفزيونية مثال آخر. فالمحطة يفترض أنها محطة تجارية خاصة، ولكنها تخسر ملايين الدولارات ومع ذلك تستمر في العمل، حيث تلعب دورا كبيرا في تشويه صورة المعارضة السورية وتصورها على أنها حفنة من المسلحين المندسين المدعومين من الخارج، وأن الثورة زائفة ممنتجة سينمائيا، وتطالب الرئيس السوري بمزيد من القمع والقتل.

فمن يمول هذه القناة ويدعمها رغم الخسائر؟ يبدو أنهم بشكل رئيسي ستة متمولين سوريين معروفين وذوو علاقات وثيقة بالنظام ويعملون وكلاء لشركات غربية مشهورة ما زالت مستمرة في العمل في سورية، على الرغم من دعوات الغرب إلى قطع العلاقات التجارية مع سورية، بل على الرغم من تسمية بعضها في قائمة العقوبات الغربية التي أعلنها الاتحاد الأوروبي.

وفي حديث لي مع دبلوماسي غربي الأسبوع الماضي، كان تفسيره لهذا الموقف الغربي المتردد هو عدم وجود إجماع قوي وواضح في المنطقة تجاه ما يجري في سورية، مما يسمح لأصحاب المصالح في الغرب بتفادي العقوبات والاستمرار في دعم آلة القمع السورية.

وإذا كان هذا هو السبب، فلعل الموقف الخليجي الأخير يغير من مجريات الأمور. ففي يوم الأحد الماضي (11 سبتمبر)، عبَّر المجلس الوزاري لمجلس التعاون، لأول مرة، عن قلقه من سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من المدنيين، و"استمرار نزيف الدم، وتزايد أعمال العنف، واستخدام الآلة العسكرية." وطالب "بالوقف الفوري لآلة القتل" و"وضع حد لإراقة الدماء، واللجوء إلى الحكمة، والعمل على تفعيل إصلاحات جادة وفورية". وعلى الرغم من أن بعض دول المنطقة قد عبرت سلفا عن مواقف قوية وحازمة مما يجري في سورية، إلا أنه هذا أول موقف جماعي يصدر بهذه القوة. أما الجامعة العربية فتبدو حتى الآن مكتوفة الأيدي.

وكما نذكر فإن التحرك الدولي الجاد تجاه ليبيا جاء بعد أن اتخذ مجلس التعاون موقفا حازما من تلك الأزمة. ولعلنا نستذكر البيان الجريء، غير المألوف وقتها، الذي صدر عن وزراء خارجية دول مجلس التعاون في 7 مارس 2011، حين أدان الوزراء "الجرائم المرتكبة ضد المدنيين في ليبيا باستخدام الأسلحة الثقيلة والرصاص الحي وتجنيد مرتزقة أجانب، وما نتج عن ذلك من سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين الأبرياء، مما يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي". وأكدوا "عدم شرعية النظام الليبي القائم" ودعوا إلى إجراء اتصالات مع المجلس الوطني الانتقالي. وطالبوا بدعوة مجلس الأمن الدولي لفرض حظر جوي على ليبيا لحماية المدنيين.

وبذلك كان لمجلس التعاون دور ريادي في حماية المدنيين في ليبيا، فضلا عن تقديم المساعدات الإنسانية لهم.

وكان لذلك القرار أثر كبير في مجريات الأمور التي تبعت صدور البيان، فقد حذت الجامعة العربية في 12 مارس حذو مجلس التعاون في الدعوة إلى فرض حظر جوي على ليبيا، ثم أعقبها الاتحاد الأوروبي في اليوم التالي مؤيدا الدعوة. وبناء على ذلك جاءت قرارات مجلس الأمن التي سمحت بالتدخل الدولي لحماية المدنيين وإضعاف قدرة النظام على قتل مواطنيه، مما أدى في نهاية المطاف إلى ترجيح كفة الثوار الليبيين.

وربما آذن النجاح في ليبيا الذي أصبح وشيكا الآن بتغير في سورية. فهناك طبعا إمكانية تحول الجهود الإقليمية والدولية التي بُذلت في ليبيا لحماية المدنيين إلى عمل مماثل في سورية. ولكن هناك عاملا آخر، وهو أن البنوك التابعة لحكومة القذافي لعبت دورا ملموسا في مساعدة النظام السوري على إبقاء علاقاته المالية في الغرب مستمرة، وبسقوط النظام الليبي سيُحرم النظام السوري من هذه التسهيلات.

ولعلنا نأمل إذن أن يتبع موقف مجلس التعاون مواقف دولية أكثر حزما من النظام السوري، تؤدي إلى حماية المدنيين ووقف العنف المنظم ضدهم.