"في هذا العصر لا توجد قوة حقيقية دون علم وتقنية، وسوف تظل على هامش العصر ما لم تنجح في التسلح بالعلم وتطوير التقنية". هذه الكلمات أعلنها خادم الحرمين الشريفين قبل عامين في مثل هذا الشهر لدى افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية.
مسيرة التعليم في السعودية تعيش اليوم مرحلة العصر الذهبي. في الواقع لا توجد دولة واحدة في العالم تضاهي السعودية في تكريس جهودها وتركيز أهدافها على نهضة التعليم. طبقاً لإحصائيات منظمة اليونسكو الصادرة في العام الجاري، احتلت السعودية المرتبة الأولى عالمياً في نسبة الصرف على التعليم من الميزانية السنوية بمعدل يفوق 26% وحققت المركز الأول دولياً في نسبة المبتعثين لعدد السكان بمعدل يزيد عن 0.03%.
حول العالم، وصل عدد الطلاب المبتعثين خارج أوطانهم إلى 2,800,000 طالب وطالبة، بمعدل نمو سنوي يفوق 5%. جاءت الصين في المرتبة الأولى بعدد 421,000 تليها الهند بعدد 153,300 ثم كوريا الجنوبية بعدد 105,300 ثم السعودية بما يزيد عن 120,000 مبتعث، منهم 40,000 يدرسون في أفضل 63 جامعة عالمية، لتتقدم السعودية بذلك على اليابان وأميركا الشمالية والجنوبية وجميع الدول الأوروبية.
مسيرة التعليم السعودية، ملكاً وحكومة وشعباً، تهدف إلى تنمية الملايين من مواردنا البشرية وتأهيلها بشكل فاعل لتصبح منافساً عالمياً في سوق العمل والبحث العلمي، ورافداً أساسياً في دعم مجتمعنا المتنامي واقتصادنا المعرفي، وذلك من خلال ابتعاث الطلاب في تخصصات الطب والهندسة وتقنية المعلومات والقانون والاقتصاد والعلوم الإدارية.
برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي شهد خلال السنوات الماضية توسعاً كمياً ونوعياً لم تشهده السعودية منذ تأسيسها. في العام الماضي وصل مجموع الطلبة والطالبات المبتعثين في مرحلة البكالوريوس 47,973 وفي الماجستير22,370 وفي الدكتوراة 5,062 بينما فاق عدد المبتعثين لنيل درجة الزمالة في الطب 1,825 طالباً وطالبة.
استحوذت نسبة الطلبة المبتعثين في مجالات العلوم الاقتصادية والإدارية والمالية على 26% من إجمالي المبتعثين، تلتها تخصصات الطب والعلوم الطبية بنسبة 15%، ثم علوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات بنسبة 14%، وجاءت التخصصات الهندسية في المرتبة الرابعة بنسبة 10%.
وجاءت أميركا على رأس قائمة جهات الابتعاث التي اختارها الطلبة والطالبات السعوديون بنسبة 30% من مجموع المبتعثين، تليها بريطانيا بنسبة 15% ثم كندا 11% وأستراليا 8% ومصر 6%. وتتوزع النسبة المتبقية على 25 دولة أخرى في مختلف بقاع الأرض، مما حدا بوزارة التعليم العالي إلى إنشاء وتجهيز 32 ملحقية ثقافية مدعمة بالكفاءات المؤهلة لمساندة المبتعثين وعوائلهم.
وزارة التعليم العالي التي أنشئت في عام 1975، كانت مسؤولة عن 6 جامعات حكومية فقط. اليوم يوجد لدينا 21 جامعة حكومية و8 جامعات خاصة، بالإضافة لعشرات الكليات والمعاهد المتخصصة ذات طاقات استيعابية عالية وموزعة جغرافيا بين كافة مناطق المملكة. إلى جانب مهامها الحيوية، تقوم الوزارة بالإشراف والتخطيط والتنسيق لاحتياجات المملكة في مجال التعليم العالي، سعياً لتوفير الكوادر الوطنية المتخصصة في كافة المجالات الإدارية والعلمية بما يخدم أهدافنا التنموية. كما تقوم الوزارة بالتنسيق مع الجامعات والمعاهد لإثراء البحث العلمي، الذي يعتبر رافداً مهماً من روافد التقدم العلمي والحضاري وجزءاً من وظائف ومهمات الجامعات.
ويتم دعم معاهد ومراكز البحوث المخصصة، وعقد الندوات والمؤتمرات العلمية بتلك الجامعات، مما أتاح لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية فرصة النشاط العلمي المتخصص، والاطلاع على ما يستجد في مجالات اختصاصهم.
قبل تأسيس الدولة السعودية كان هنالك 4 مدارس فقط، وفي عام 1346 صدر قرار تشكيل أول مجلس للمعارف لوضع نظام تعليمي وإنشاء 323 مدرسة جديدة. وفي عام 1371 تم إنشاء وزارة المعارف وأسند إليها مهام التخطيط والإشراف على التعليم العام.
خلال نصف قرن تضاعف عدد المدارس في السعودية 100 مرة، ليفوق عددها في العام الدراسي الحالي 32,986 مدرسة، تحتوي على 238,864 فصلاً دراسياً في كافة مراحل وأنواع التعليم. وبلغ عدد الطلبة والطالبات 5,065,914 ويشرف على تدريسهم وتدريبهم 482,708 من المعلمين والمديرين والوكلاء وأمناء المكتبات وفنيي المختبرات ومرشدي الطلاب والطالبات.
قبل أسابيع معدودة أكملت وزارة التربية والتعليم إنشاء أكثر من 600 مشروع مدرسي جديد، وهي حصة المرحلة الحالية من أصل 4000 مبنى جديد بتكلفة تصل إلى 32 مليار ريال. كما تم خلال العام الحالي تعيين 7700 معلم جديد وإنهاء إجراءات تعيين 8000 معلمة جديدة وتخصيص 52000 وظيفة تعليمية وإدارية جديدة للاستفادة من الخريجين والمؤهلين.
في أوج الحضارة الإسلامية ارتفع عدد العلماء المسلمين إلى 62 ضعف أعداد علماء الكرة الأرضية قاطبة، وفاقت أعداد مراجعهم العلمية 189 ضعف أعداد المراجع المؤلفة باللغات الأجنبية، وارتفعت ميزانية أبحاثهم العلمية 30 ضعف ما كانت تسخره دول العالم بأسرها على الأبحاث في كافة المجالات.
كانت فلسفة الحضارة الإسلامية تعتمد على التكامل بين التربية والعقل والقلب والجسد. خلالها خضعت التربية المنزلية لمقومات الأخلاق، واعتمدت مدارس العقل على منابر الفكر، ورضخت القلوب لأسس التعاون والتآلف والتسامح، وتوحدت الأجساد تحت لواء التعاضد والتماسك. كانت حضارتنا الإسلامية أول من مزج العلوم الطبيعية بالفكر والمعرفة لينتج عنها ما يطلق عليه في عصرنا الحاضر بالعلوم المعرفية، وكانت سباقة في تعضيد جهود التربية الأخلاقية بالفطرة النقية لتصبح أعمالنا المشّرفة مقرونة بما أصبح يُعرَفُ اليوم بالشفافية والمصداقية.
نحن اليوم نعيش مسيرة "مليونية" التعليم.