• تذكر بعض الروايات أن عمر سوق عكاظ يمتد إلى سبعين سنة قبل الهجرة، واستمر في عهد الإسلام والخلفاء، وحتى ما قبل سقوط الدولة الأموية بقليل، أي أنه بقي محفلاً شاملاً للعرب حتى هدمه ونهبه من الخوارج سنة 129، لقد كان طيلة هذين القرنين التامين موعداً للقبائل العربية، بشعرائها ومواثيقها، بل وحتى للإبلاغ عن مطلوبيها، أو دخولها في حلفٍ أو نزع يدها من آخر، أو حتى رفع حصانتها عن أحد من أبنائها، وإباحة دمه لخطيئة أتى بها، تمسّ وجه القبيلة ومكانتها. لم يكن ذلك السوق وموعده من كل عام تجمعاً للشعراء والقصائد والخطب فحسب، ولكن وجود الشعراء طغى عليه وعلى سمعته، حتى اقترن بهم وأخذ صفتهم، لأنهم – أي الشعراء - كانوا أشبه ما يكونون بوزراء الخارجية والإعلام في وقتٍ واحد، فهم المتحدثون الرسميون آنذاك باسم قبائلهم، وهكذا كانت منزلة الشاعر، وهكذا كان الشعر ديوان العرب وتاريخهم ولسانهم، قبل أن ينقذ الله هذا العربي من شفهيته ويدخله إلى عالم الكتابة والورق.. والدولة.
• بقي سوق عكاظ قائما قبل النبي، وفي حياته وبعد موته وموت الخلفاء، حتى اعتدى عليه الخوارج، فمن هم الذين أغضبتهم عودته ولماذا؟!
http://www.youtube.com/watch?v=wsNGdr2vjPc&feature=related
• والمرأة كانت هناك أيضاً، كانت الخنساء من ركائز عكاظ، المرأة التي وصفها النابغة بأنها أشعر الإنس والجن، وقال عنها بشار إنها "تلك التي غلبت الرجال"، وحين سئل جرير عن أشعر العرب قال "أنا.. لولا الخنساء". وهي التي جاءت للنبي فاستنشدها، وكلما توقفت استزادها وقال لها "هيه". بهذا وبغيره من الآثار كانت النساء نصف السوق، فأين هي هذه الحالة الاجتماعية الكبرى في عكاظ اليوم؟
• إن عودة سوق عكاظ للحياة من جديد، بعد انقطاعه لذاك الأمد الذي مضى، يعني الحس والوعي بالتاريخ وأثره في تكوين الواقع والمستقبل في آن. عكاظ ليس مجرد احتفالية، إنه إعلان عن الجانب المثالي في هوية العربي ومجده وقيمه ونظرته للوجود وموقفه من نفسه ومن الآخر، أو هكذا يجب أن يكون. ولعلنا في السعودية جديرون بحمل هذه المسؤولية، وفي تمام إدراكنا أن هذا الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه معني بهذه التظاهرة التاريخية، ومشغول بما ستكون عليه، وحتماً يهمنا أن يكون لوجداننا وتفاصيلنا بالداخل السعودي حضور حافل بالتنوع. إن سوق عكاظ كان في أحد وجوهه إعلاءً من شأن الشعر والشاعر، وهو اليوم محاولة جادة للاعتراف به والتكريس لقيمته، والشاعر والشعر بما فيه من أزمنته وتعدد أشكاله ومضامينه كان وسيبقى.. قلب اللغة وجناحيها، واللغة هوية، بقدمها وحداثتها. فهل يفكر القائمون على عكاظ بهذا؟