صاح المتظاهر اليمني: مشكلتنا مع رئيسنا فقدان الثقة، وهي نفس مشكلة السوريين مع كلمة إصلاح في سورية. فرفع قانون الطوارئ يعقبه قانون العقوبات وهو أدهى وأمر، فمن يتجمع أو يحرض عليه عقوبته ألف دولار لمواطن مفلس! يقول الرب: إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان. وحسب (الصادق النيهوم) الليبي الذي ارتاحت روحه الآن مع ذهاب روح القذافي؛ فقد هرب من ليبيا وعاش هاربا ومات هاربا، يقول عن غبار الكلمات: إن القاموس يكسب لفظة ويخسر الواقع حقيقة. وهي ما عناها الرب عن الفرق بين الكلمات والحقائق. الطبيب يعيش بسمعته، والسباك يطلبه الناس. وفي القرآن تأتي كلمة الحسنات والسيئات، وأن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. وحين كنت في حي الميدان في دمشق أدرس الطلبة الرياضيات أتكسب بها رزقي، حتى أعيش لدراسة الطب، كنت أمثل لهم السالب والموجب (ـ) (+) فأذكر الآية مازجا بين الرياضيات والفلسفة والقرآن، ولكنه شرح كلفني أن جاءت المخابرات البعثية فأنهت عملي في المدرسة، وقطعت دخلي من هناك لأنني أفسد عقول الشبيبة بالقرآن، فتذكرت سقراط وإعدامه وأنني لم أعدم بعد! والله هو الرزاق ذو القوة المتين. من المهم أن يبني الإنسان سمعته مثل رصيده في البنك، فإذا تعرض لهزة وضربة وخسارة تحمل الرصيد الخسارة فهذه قاعدة أولى.
وثانيا قد يصح توازن الحسنات والسيئات، ولكن ربنا الرحيم قال: "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"، بل ذهب بمضاعفة القرض لله وهو تعبير مؤثر أنه ينميه مثل السنبلة بـ700 ضعف! كذلك هناك من الأخطاء القاتلة التي تقصف الآجال وتضيع ميزان الحسنات، ولذا قال الرب إنه يغفر الذنوب جميعا، ولكنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فعلينا الانتباه إلى نوعية الأخطاء فمنها ما يغتفر، ومنها كما في القتل فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا (في أربع مفردات مغلظة). ومثلا قد يتوب من قتل ولكن حقوق الناس يبقى مسؤولا عنها. وفي الحديث أن الشهيد يدخل الجنة بعد توفية ديونه. وأنا شخصيا تمنيت على بشار الأسد أن يقوم فيعتذر لأهل حماة عن مجزرة 1982 التي قتل فيها عشرات الآلاف من الناس، ويبدأ في تعويضهم والإحسان إليهم، ولو فعل إذا لملك قلوبهم وكتب اسمه في التاريخ، كما فعل الملك الهندي أشوكا فذهب مثلا في الرحمة، ولكن مثل هذه الأمور تحتاج لقامات كبيرة، وهمم عالية، وتربية روحانية، وعائلة غير إجرامية، ونفوس عظيمة، والرجل أتوا به في مسرحية هزلية في مجلس الشعب فغيَّروا الدستور في ربع ساعة كي يناسب حجمه، فضغطوا عمر الرئيس إلى 34 سنة بدلا من 40 وكانوا سيضغطونه لأربع سنين لو لزم الأمر، فهذا هو قدر الأنظمة الشمولية في غفلة عن الشعوب لأمم فقدت قدرة تقرير المصير.
أعترف للقارئ أنني لم أكن أظن أن الأمور سوف تنفجر بهذه السرعة وبهذا الحجم، وهو قصور في الرؤية وعدم فهم عظة التاريخ. وفي درس الثقة يجب المحافظة على خيط مع الناس ولو غشك من غشك أن تنتبه للمستقبل إن كان يحسن عمله، وعليك بمراقبته كما جاء في مقدمة ابن خلدون عن التعامل مع التقي الجاهل والحاذق الماكر، فنصح بالثاني لأن التقوى ترجع لصاحبها والعمل علينا، فوجب توظيف الماكر الغشاش ومراقبته، فإن وجد من جمع بين القوة والتقوى كان مثاليا، ولكن قليل هم من هذا الصنف. وأنا أعرف من الجراحين الذين عاشرتهم وكنت من طبقتهم فلم أجتمع إلا في النادر مع من تمَّكن وحسنت أخلاقه. والشعب السوري نام ونوِّم وخُدِّر وجُلد واستبيح، واليوم يحاول دخول التاريخ، ولكن بمخاض دموي شاق مثل إزاحة الجبال الراسيات، ولكن لا بد منها في شق طرق التاريخ.