تشير الكثير من الدلائل إلى أن أشجار "الشورى" التي نمت خلال مئات الآلاف من الأعوام مهددة بالاختفاء من شواطئ جازان، فالبيئة البحرية الطبيعية قتلت، وبقي الجدل الذي أضاع المسؤولية بين أعضاء اللجنة الرباعية المكونة من هيئة الأرصاد وحماية البيئة، وحرس الحدود، والثروة السمكية، والشؤون البلدية والقروية.

ففي الوقت الذي يؤكد فيه مدير فرع هيئة الأرصاد وحماية البيئة بمنطقة جازان عبداللطيف عقيل أن أمانة المنطقة عملت على فرض سياسة الأمر الواقع ولم تأخذ موافقتهم لردم الشواطئ، يأتي المتحدث الإعلامي لأمانة منطقة جازان ليؤكد أن أمير المنطقة وجه بالبحث عن موقع مناسب ليكون ساحة للاحتفالات الشعبية، وتم اختيار الموقع بجوار القرية التراثية فردمت الشواطئ لتهيئة المكان. وأضاف أن الأمانة أخذت موافقة اللجنة الرباعية قبل البدء في العمل.

سياسة الأمر الواقع

وقال مدير فرع هيئة الأرصاد وحماية البيئة بالمنطقة لـ"الوطن" إن الأمانة عملت بسياسة الأمر الواقع بإصرارها على ردم شواطئ جازان الجميلة متجاهلة كل الخطابات الموجهة لها بهذا الخصوص، حيث تم توجيه حرس الحدود لإيقافها لكن دون جدوى. وأضاف عقيل إن الأمانة عندما بدأت بعملية الردم كان دون وقوف اللجنة الرباعية المكونة من هيئة الأرصاد وحماية البيئة، وحرس الحدود، والثروة السمكية، وأمانة المنطقة وأنها لم تستشر أحداً في عملية الردم وكان من الأولى بها أن تشرك هذه اللجنة حسب ما تنص عليه الأنظمة. وبين عقيل أنه تم الرفع عن هذه المخالفة إلى الرئاسة العامة لهيئة الأرصاد وحماية البيئة، ولكنها شكلت في الوقت الذي قد قاربت الأمانة على الانتهاء من عملية الردم، والتي سمحت بعملية الردم كونها قد بدأت فيها مشترطة عليها عدم القيام بأي عملية ردم مستقبلية ما لم تقف اللجنة عليه، مؤكداً بأن المساحات التي تم ردمها كبيرة جداً وقضت على العديد من الكائنات البحرية.

حجج واهية

وقال نائب رئيس نادي أصدقاء البيئة بجازان يحيى علي عبيري إن أمانة جازان سلبت مدينتنا الغالية مساحات شاسعة من البحر بحجج واهية ودمرت الكثير من أماكن توالد الأسماك والربيان وأشجار الشورى والكثير من الكائنات البحرية وأماكن طلب الرزق للمساكين من صيادي الأسماك بالردم وكأن المشاريع لا تتم إلا بردم البحر ودأبت على عملية الردم منذ فترات طويلة حيث تأتي عمليات ردم الشاطئ الجنوبي بعد الانتهاء من ردم مساحات واسعة في الشاطئ الشمالي.

وأضاف عبيري: قابلنا المسؤولين بالثروة السمكية والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وأمانة المنطقة وأكدوا أن الردم انتهى ولن يردم أي شاطئ بعد الآن, مؤكداً على وجود قرارات سامية تمنع ردم البحر إلا عند الضرورة وبالشروط التي لا تضر البيئة البحرية، وبموافقة اللجنة الرباعية المكونة من حرس الحدود والثروة السمكية والهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة وأمانة المنطقة إلا أن أمانة منطقة جازان غاب عنها ذلك وشرعت في إحاطة اكبر منطقة لنبات الشورى بالمنطقة الواقعة جنوب القرية التراثية مخالفة القرار السامي الكريم رقم 982/م بتاريخ 1/9/1419هـ .

وأكد عبيري أن ما حدث يعد تدميرا بحجة الاستثمار في حين إن الاستثمار الحقيقي بقاء الشواطئ طبيعية، مطالباً أمانة منطقة جازان بإيقاف عملية الردم الواقعة جنوب القرية التراثية والتي ستقضي على عدد كبير من أشجار الشورى.

إتلاف للبيئة

وأكد أستاذ علم البيئة النباتية المساعد بقسم الأحياء بجامعة جازان الدكتور يحيى سليمان مسرحي أن نمو وازدهار بيئات المانجروف "الشورى" على امتداد سواحل جازان تَطَلّب مئات الآلاف من الأعوام من الترسيب المستمر للوديان التي تصب في سواحل المنطقة، وإتلاف هذه البيئات بالردم يدمر ويقضي على هذا الإرث الطبيعي، مشيرا إلى أن الاختيار السليم لمواقع المشاريع على المناطق الساحلية ودراسات الأثر البيئي المتوقع لهذه المشاريع من الأمور الهامة واللازمة للتنمية المستقبلية للمناطق الساحلية في جازان، والتي تضمن في نفس الوقت حفظ هذه الثروات الطبيعية للأجيال القادمة.

وأضاف مسرحي إن بيئات المانجروف الساحلية تمثل امتداد شواطئ جازان موائل بيئية مميزة من الغطاء النباتي الكثيف للشورة (القرم) Avicennia marina . وتوجد مجتمعات هذا النبات على امتداد الشواطئ المحمية من الأثر المباشر للأمواج، والمعرضة في نفس الوقت للغمر بالمد؛ حيث تكثر في الخلجان والأهوار ضحلة الماء، وتزدهر بشكل خاص حيث يتجمع الطّمْي المترسب بفعل الوديان على الساحل.

التأثير في البيئة الساحلية

وأوضح الدكتور المسرحي أن نباتات الشورة تمثل أساس السلسلة الغذائية لنظام المانجروف البيئي الساحلي في المنطقة؛ والذي يوفر تنوعاً حيوياً فريداً من الكائنات الدقيقة التي تنمو على بقايا الأوراق المتساقطة مروراً بالقشريات والأسماك الشاطئية، وانتهاء بالطيور التي تجد من هذه البيئات موائلاً مناسبة لبناء الأعشاش والتكاثر. وقال إن هذا التنوع الكبير في الكائنات القاطنة لهذه البيئات يدعم سلامة واستمرار النظام البيئي للشواطئ في المنطقة، كما يؤمّن تدفّق المغذّيات التي تستفيد منها العديد من الأحياء البحرية بشكل مباشر أو غير مباشر. ولذا فإن تدهور هذه البيئات بالردم وإقامة المشاريع في السواحل ذات الكثافة العالية من نبات الشورة يؤثّر في إنتاجية النظم البيئية الساحلية، وليس أقلّها تناقص إنتاجية الأسماك والروبيان التي تشتهر بها سواحل المنطقة.

قضاء على الكائنات البحرية

وقال الأستاذ المساعد في الأحياء والمتخصص في الكائنات الدقيقة بجامعة جازان الدكتور محمد العبود إن عددا من الكائنات البحرية ستتضرر من عملية الردمظ، وسيقضى عليها بالكامل سواء التي ترى بالعين المجردة أو الكائنات الأخرى هي من الكائنات المحبة للملوحة ومتعايشة مع هذه البيئة وعندما نغيرها فإننا نقضي عليها.

تكاثر الفئران

وقال الأخصائي والباحث البيئي بجامعة الباحة أحمد علي إن أمانة جازان توسعت كثيراً في عملية الردم، وكان يجب عليها عدم التوسع بهذا الشكل كما كان يجب عليها أن تأخذ نوعية المواد المستخدمة في عملية الردم في الحسبان حيث يكون هناك حرم للشاطئ لأنها بما قامت به ألغت وجود الشاطئ واستبدلته بالحجارة التي ستكون ملجأ آمن للفئران والحشرات الضارة وستلغي وجود الكائنات البحرية التي تتواجد على الشاطئ، مؤكداً بأن لهذا أثر كبير على المدى البعيد حيث سيتم القضاء على الشعب المرجانية وسيؤثر على عملية صيد الأسماك والتي تعد أمراً في غاية الأهمية للعديد من الأشخاص ذوي الدخل المحدود.

من جانبه، قال رئيس المجلس البلدي في منطقة جازان عبدالباسط عقيل إن هذه التوسعات التي تجريها أمانة المنطقة هي لتأهيل أماكن استثمارية لاستقطاب المستثمرين، وإنشاء أماكن عامة للمواطنين، مؤكداً عدم معرفته بالتفاصيل التي صاحبت عملية ردم الشواطئ.

إلى ذلك، أوضح المتحدث الإعلامي لأمانة منطقة جازان عبدالرحمن ساحلي أن أمير المنطقة وجه بالبحث عن موقع مناسب ليكون ساحة الاحتفالات الشعبية وتم على هذا الأساس اختيار الموقع جوار القرية التراثية وردمت الشواطئ لتهيئة المكان وإيجاد مساحة واسعة لتكون ساحة شعبية تقام عليها الاحتفالات، مؤكداً أن الأمانة قد أخذت موافقة اللجنة الرباعية المكونة من هيئة الأرصاد وحماية البيئة، وحرس الحدود، الثروة السمكية، والشؤون البلدية والقروية قبل البدء في العمل وهناك مخطط معتمد لإقامة الساحة الشعبية بعد الانتهاء من عملية الردم.