تميز العام المنصرم بسجال حاد في المشهد الثقافي المغربي، لم يسبق له مثيل، حيث أصدرت كل مجموعة من المثقفين بيانات مختلفة، بعضها يدعو إلى إنقاذ الثقافة المغربية من حالة السكون والركود وآخر يدعو إلى خلق مرصد وطني للثقافة ووضع خطط لإحيائها، وأخرى تدعو لمقاطعة أنشطة وزارة الثقافة وأهم ما تنظمه مثل معرض النشر وجائزة الكتاب. ويعزو النقاد ظهور هذه البيانات والدعوات إلى غيرة المثقفين على الوضع الثقافي المتردي وقلقهم وغضبهم من استمراره ولاسيما مع تولي مثقف وكاتب وزارة الثقافة وهو بنسالم حميش الذي كان المثقفون يتوقعون أن يأتي بحل سحري لتغيير الوضع الثقافي في فترة محدودة.

ومن أشهر المبادرات التي أطلقها المثقفون المغاربة هذا العام مبادرة الكاتب شعيب حليفي، الذي دعا إلى خلق مرصد وطني للثقافة المغربية، كرد فعل على حالة البيات، التي تعرفها الثقافة وغياب سياسة ثقافية فعلية تخدم المثقفين والكتاب.

ثم جاءت مبادرة الناقد محمد برادة رفقة مجموعة من الكتاب المغاربة، الذي دعا إلى عقد لقاء مفتوح حول الثقافة المغربية، من أجل "خلق حوار موسع بين جميع الفاعلين في الحقل الثقافي، بهدف تحليل الأسئلة الثقافية الملحة، واستشراف تصور استراتيجي ومقترحات عملية تخص حاضر الثقافة المغربية ومستقبلها، وصوغ عناصر الإشكالية والتصور الاستراتيجي، الذي يجعل الثقافة والإبداع حاضرين في عمق التنمية وتجديد القيم".

ودعم مبادرة برادة تسعة من أشهر وأهم كتاب المغرب أمثال أحمد بوزفور، وعبد الصمد بلكبير، وشعيب حليفي، ومحمد الواكيرة، ومحمد الطوزي، وإدريس شويكة، ورشيد المومني، والميلودي شغموم، وحسان بورقية.

وخرج الكاتب والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي بمبادرة أخرى حين وجه نداء "من أجل ميثاق وطني للثقافة المغربية"، دعا فيه إلى التفكير في المسألة الثقافية بالمغرب، وإلى البحث عن حلول للنهوض بالثقافة، ودعا النداء الذي وقع عليه الكثير من المثقفين والكتاب وخلق نقاشا واسعا في المغرب، إلى قلب معادلة التوازنات في المغرب، لتصبح للثقافة أولوية أكبر. بدوره أصدر الكاتب والشاعر محمد بنيس بياناً عن مشروع "الميثاق الوطني للثقافة" منبها إلى التخبط الذي تعيشه الثقافة المغربية، وعجزها عن امتلاك مرجعية وطنية توحدها، ومحذرا "من حالة الإخفاق التي سيؤدي المغرب عنها الثمن غالياً إن لم يتوحّد المثقفون في صف واحد للدفاع عن قضيّة هي من أخطر القضايا التي يمكن أن تعرفها أمة من الأمم".

وقبل نهاية العام جاء البيان الذي شكل صدمة كبيرة ونبه بحق إلى خطورة الركود الثقافي في المغرب، حين دعا المرصد المغربي للثقافة كافة المثقفين المغاربة للإمساك عن المشاركة في المعرض الدولي للنشر والكتاب كما دعاهم لمقاطعة الترشح لجائزة المغرب في كل فروعها.

وبرر المرصد دعوته بما وصفه باستمرار تعرض الثقافة المغربية لحرب مُعلنة عُنوانها التهميش والتبخيس للثقافة، مقابل تسييد أشكال ثقافية غريبة عن الهوية المغربية، إضافة إلى غياب الشفافية والوضوح في المعايير وكثرة التدخلات والترضيات، وأوضح المرصد أن دعوته تأتي احتجاجا على غياب سياسة واضحة في مجال نشر الكتاب ودعمه، والاستمرار في اتخاذ قرارات مرتجلة في النشر على نفقة الوزارة للمقربين مع تعطيل وتهميش اللجن العلمية المقررة، وأضاف أن النخبة الساهرة على الشأن الثقافي المغربي، أزاحت نهائيا من برامجها أي مشروع حقيقي ينهض بثقافتنا في سياق تنموي واضح.