المزاج العام الذي عكسته بعض الأسماء المغردة في تويتر عن الملحقية التعليمية في الولايات المتحدة وجدته في غاية السلبية. بالرغم من إجماعهم تقريباً على الإشادة بشخص الدكتور محمد العيسى الملحق التعليمي في الولايات المتحدة وتواضعه واهتمامه الشخصي، إلا أنهم يلومون البقية من موظفي الملحقية، وخصوصاً مجموعة المشرفين على البطء في التجاوب وأحياناً إهمال طلباتهم. يعزو كثير منهم ذلك إلى كثرة العطل الرسمية (السعودية والفيدرالية الأميركية) التي تسبب غياب المشرف عن التواصل مع الطالب. من تابع مثل هذا الطرح فإنه حقيقة لا بد أن يتعاطف وبشكل كبير مع هؤلاء الطلبة المغتربين. كيف لا وهم يعيشون في ظروف نفسية معقدة، تفرضها الغربة والوحدة، وفوق ذلك عدم الشعور بالأمان بسبب الخوف من مخالفة أنظمة الإقامة الأميركية الصارمة.

عقدت النية على الكتابة عن هذا الموضوع. اتصلت بالدكتور محمد العيسى للاستفسار منه مباشرة، وفوجئت برده السريع على اتصالي رغم أنني أتحدث من هاتف أميركي مجهول بالنسبة له. رحب بي هذا الرجل وفتح صدره لكل الملاحظات، والأهم أنه أقر بوقوعها، وطمأنني بالمجمل أنها تحت نظره، وهي في طريقها إلى الحل الشامل. من أجل المزيد من الاطلاع طلبت منه أن يوصلني ببقية المسؤولين في الملحقية للتحدث مع كل منهم على حدة، وفعل ذلك.

اليوم وبعد أقل من أربع وعشرين ساعة من طلبي تحدثت مع كل من الدكتور خالد الدامغ والأستاذ أحمد السحيباني والدكتور سعد السويلم باتصالات هاتفية أتت منهم. الأخير هو المشرف على ولايات الساحل الغربي الثلاث: كاليفورنيا وواشنطن وأوريجن، وبها يتواجد عدد كبير من الطلبة والطالبات.

الذي خلصت إليه سواء بعد التحدث إلى المسؤولين أو إلى بعض الطلبة الذين اخترت التحدث إليهم بعد أن تم اختيارهم بواسطتي عشوائياً، أن مشاكل الطلبة هذه هي مشاكل برزت بشكل ملحوظ مؤخراً فقط. انحصرت هذه المشاكل في الغالب في تأخر الرواتب، أو تأخر إصدار الضمانات عند تغيير الجامعات، أو التأخر في دفع فواتير التعليم لهذه الجامعات. وكما هو معلوم، فهذه بالنسبة للمبتعث قضايا خطيرة ومؤرقة وأساسية لا يستهان بها. أما سبب ذلك كما أفاد مسؤولو الملحقية الذين بدورهم لم ينكروا وجودها، وأشعروني بأنها ترهقهم ربما أكثر مما هي مرهقة للطلاب؛ هو الانتقال السريع وغير المهيأ له بدقة وضمان نتائج إلى نظام إلكتروني يطبق للمرة الأولى في الملحقية ويعرف بـ"البوابة الإلكترونية". هذا هو النظام الشامل الذي تطبقه وزارة التعليم العالي على كافة المبتعثين في كل دول العالم. هذا النظام وبعد اطلاعي على مزاياه أجده رائعاً ودقيقاً، ويتيح لكل مسؤول سواء في الملحقية أو حتى في الوزارة في الرياض متابعة الطالب والمشرف في أي مكان. المشكلة لم تكن في النظام، لأن مثل هذا النظام مطلوب في واقع الأمر، ولو لم يكن موجوداً لارتفعت الأصوات للمطالبة به، المشكلة كانت في اختيار التوقيت المناسب للبدء به. واستناداً إلى رأي الدكتور سعد السويلم فإن هذا التوقيت لم يكن الأفضل قياساً على تصادمه مع رمضان وظروف الصوم، وعودة الكثير من الطلبة إلى أميركا بعد انقضاء إجازة الصيف.

الجانب المضيء والأهم في حديثي مع الإخوة في الملحقية هو كما ذكرت الإقرار بهذه المشاكل وعدم وجود نبرة النفي أو التعالي التي اعتدنا عليها كنقاد وكتاب من بعض موظفي الدولة. كل الذين تحدثت معهم وللأمانة أقروا بوجود ارتباك مع هذا التطبيق. هذا ما يرفع مستوى التفاؤل لدي بالقضاء على هذا العارض، لأن التحدث عن المشكلة والاعتراف بها بواسطة المسؤول وبهذا التواضع الذي لمسته هو الخطوة الأهم في طريق الوصول إلى الحلول. النقطة الأخرى الباعثة على التفاؤل هي تمكين هذا النظام في القريب العاجل من مراقبة سير عمل المشرفين بدقة، وتقييم إنجازهم بشكل آني وعادل. يقول الأستاذ أحمد السحيباني المشرف على تطبيق النظام آلياً الذي سبق أن طبق البرنامج نفسه في بريطانيا: إن أميركا تشكل التحدي الأكبر له (أكثر من 63000 مبتعث ومرافق) وإنه مصمم على إكمال المهمة خلال مدة لا تتجاوز شهرين من اليوم.

من الجهة الثانية، وإضافة إلى مشاكل تطبيق البوابة الإلكترونية فإن من أسباب هذا الارتباك الزيادة الكبيرة والمفاجئة التي طرأت على عدد المبتعثين في هذه البلاد. فبالإضافة إلى صدور الأوامر السامية باستمرار الابتعاث، انتقل عدد من الطلبة الذين كانوا يتلقون تعليمهم في بعض البلاد العربية إلى أميركا بسبب تغير الأوضاع السياسية في تلك الدول. هذا وذاك قفز بالعدد من ثلاثين ألفاً تقريبا قبل سنتين فقط إلى ثلاثة وستين ألفاً اليوم، دون أن يكون مخططاً له أن يصل إلى هذا المستوى الهائل وبهذه السرعة.

حقيقة لم ألمس من المسؤولين في الملحقية إلا كل التفاني والحماس لتجاوز هذه المرحلة وأنا أثق بما تلقيته من إفادات ووعود. لكن الحقيقة الأخرى التي لا غبار عليها أن استمرار الابتعاث وبهذه الأعداد الكبيرة والمزايا غير المسبوقة هو الحدث الجميل رغم كل التحديات والمعاناة، سواء ما قد يكون منها سابقا لتغيير النظام أو لاحقا له. رؤية خادم الحرمين حفظه الله إلى مستقبل الوطن من خلال تمكين أبنائنا من الحصول على أفضل العلوم من أفضل الجامعات العالمية هو القصة المشرقة التي طغت على مخيلتي وعقلي أثناء تواجدي هنا في الولايات المتحدة وحديثي مع الجميع.

بجانب المطالبة بإنهاء هذه الإشكالية بأسرع وقت ممكن ومهما بلغت التضحيات، أتمنى من الدكتور العيسى وهو الأكثر حرصاً وتفانياً، وهو الذي أطلعني على الكثير من قصص النجاح الباهرة التي تحققت في السنوات الخمس الأخيرة، التي لا يتسع المكان هنا لاستعراضها؛ أقول أتمنى عليه تطوير سبل التواصل مع الطلبة. اليوم انتشرت وسائل سهلة ومتطورة يمكن مع استغلالها تنشيط دور العلاقات العامة للملحقية، وتثقيف الطلبة بمتطلبات المرحلة والنظام بوتيرة أسرع. الإيميل وإن كان الوسيلة الموثقة والأهم للتواصل يعتبر جيداً، لكنه وحده لا يكفي لامتصاص توتر الطالب من جهة وطمأنته من جهة أخرى بأن الملحقية بجانبه وأن صوته مسموع.

اقترحت على الدكتور العيسى تأسيس صفحة حية للملحقية في فيسبوك وحساب فعال في تويتر. إجراء بسيط كهذا لن يأتي منه إلا المزيد من التواصل والتفاعل، مما يسهل إيجاد الحلول الأسرع لكل طارئ. أتمنى أن نرى ذلك في أقرب فرصة ممكنة. أختتم بالشكر الجزيل للأبناء الذين تحدثت معهم مباشرة دون أن أعرف أياً منهم من قبل، وأكرر شكري لمنسوبي الملحقية، داعياً الله أن يكلل هذا العمل الوطني المستقبلي الجبار وغير المسبوق بحجمه ومزاياه بالنجاح.