ماذا يعني الخريف لكل واحد منا؟ قالت واحدة إنه وقت تضخم الأحاسيس فهل هو كذلك؟ إنه وقت سقوط الورق. وطعم الرمان. وتبدل الزمان. أشعر بشيء من تغير المناخ.. هو حر وبرد، تحار ماذا تلبس؟ هو لي ذكريات مرة من سجن مرير في خريف عام 1969م وزوجتي حامل بطفلتنا الأولى عفراء. تم اعتقالي وأنا أقدم مادة المواريث في كلية الشريعة، حيث كنت أخصص الخريف لكلية الشريعة بجانب كلية الطب. الخريف يذكرني بأوراق أشجار القيقب في كندا. أوراقها جعلت شعار العلم الكندي الأحمر والأبيض. في الخريف تتلون أشجار القيقب بتدرج خرافي من الأخضر الزاهي حتى الأحمر النحاسي، فتفتح المآقي وتتفرج على عشرات الآلاف من تموج لون شجر القيقب. الخريف يحمل أقدار نعوش لا تنتهي في سورية، وشباب يموتون طامحين إلى الحرية في عام 2011. في يوم 7 سبتمبر اختلط عندي ذكرى فراق زوجتي ليلى سعيد قبل ست سنوات كأنها ست ساعات، وخبر نعوش لـ 34 شابا في سورية برصاص قطعان الشبيحة السوريين في حمام دم وصل إلى ستة آلاف. الخريف يذكر بالانهيارات المالية كما جرى عام 1929 ثم 1983 ثم كارثة الرهن العقاري في عام 2008 ومرض الدولار المستديم، وحريق اليورو في اليونان. الخريف وتحديدا سبتمبر في 11 منه خر برجان في نيويورك بارتفاع 101 طابق، ما عرف بكارثة سبتمبر، وبعدها تغير العالم فكان كثيبا مهيلا. حروب في أفغانستان أنهت حكم الطالبان. ثم طيران صدام وظهور إيران وحزب الله، واشتداد عضد النظام البعثي في سورية. الخريف انقلاب في الطقس والعمر فيقولون خريف العمر. يا ترى عند أي سن هو الخريف؟
قالت لي مغربية أحب الفصول لي هو الربيع. أنا أرى الصيف فورة، والربيع نزهة، والشتاء انكماش وموت، والخريف وداع حزين لطبيعة تهيئ نفسها للأفول. الخريف كأنه شمس الأصيل. كأنه لحظات ما قبل الغروب. الخريف أيضا انقلاب في الصحة، فتشتد الأكزيما والحساسية ويكثر الروماتزم وآلام المفاصل، وينتشر العطاس والرشح. مع ذلك فالطقس لا يقول بل الروح. في هذا الموسم يأكل الإنسان التين والزيتون والرمان. كما أنه فرصة للمراجعة والمراقبة فهل يجرد الإنسان حساباته في هذا الانقلاب الفصلي فيقول يا رب هل أحسنت أم أسأت؟ أظن أن القليلين من يعتمد مبدأ الكتابة دوما لمعرفة تاريخه، وكيف أمضى أوقاته وأنفق ماله؟ الخريف الآن حاسم للثورة في سورية بعد أن تجاوزت الأشهر الستة، فهل ستحقق شيئا في الأشهر القادمة والشباب يقتلون ويعتقلون ويعذبون؟ ذكرياتي تختلط في هذا الشهر بين شجر القيقب الكندي وذكريات سجن الشيخ حسن وامتحانات كلية الشريعة ثم التخصص في ألمانيا. وأخيرا انقلاب المناخ في المملكة، فيهرب الحر أخيرا ويبدأ الجو في الاعتدال.
أنا شخصيا أضحك أحيانا من حر المملكة الذي يقفز فوق الخمسين وبرد كندا الذي ينزل إلى أربعين تحت الصفر. أحسد المغاربة على طقسهم الرائع. في الجولان السوري بنيت بيتا لي يشبه مناخ المغرب ولكنه مجرد حلم الآن.. وقد بدأت أشعر بدبيب خريف العمر في مفاصلي. رحمتك يا الله لنا جميعا.