علاقات المملكة العربية السعودية مع مصر تاريخية، لا يمكن أن تتغير لصراخ أفراد في الطرقات، أو بسبب كلمات بذيئة قيلت من هذا أو ذاك، أو بسبب تصرفات غير منضبطة صدرت من قلة لا تحسب حسابا لأفعالها، لكن المؤلم هو ما تروج له بعض الصحف والقنوات والفضائية ـ الخاصة ـ ممن تحمل الجنسية المصرية، من أخبار بعيدة كل البعد عن بواطن الأمور، فهي تغض الطرف عن الكثير من الحقائق.
إن الواقع المشاهد يؤكد أن إقبال المعتمرين من ضيوف الرحمن في شهر رمضان المبارك لا يمكن أبناء البلاد من موقع قدم في الحرم المكي الشريف، ولذا سررت للغاية كمسلمة عند الإعلان عن أكبر توسعة للحرم المكي عبر التاريخ، التي اعتمدها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله حفظه الله مؤخراً، فقد أعلن أنها ـ وبإذن الله ـ ستستوعب عند الانتهاء منها أكثر من مليون و200 ألف مصلٍ، وإن كنت أعتقد أن الحرم بعد تنفيذ هذا المشروع قد يستوعب ضعف هذا الرقم، وبالتالي آمل ألا تجد المواطنة أو المعتمرة نفسها مضطرة للالتماس ممن افترشن الحرم من وافدات لأيام ومنعن غيرهن من الصلاة، بحجة أنه محجوز لسيدة غادرت المكان لتعود بعد دقائق أو بعد ساعات، وألا نسمع من بعض المعتمرات ألفاظاً لا تليق بقدسية المكان، وغني عن البيان أن هذه التصرفات التي تعكر أداء المشاعر لا تصدر عن السلطات السعودية، التي وبشهادة حق بذلت وتبذل الكثير والكثير في سبيل توفير الراحة لكافة المعتمرين والحجاج، وافدين أو مواطنين، فالنظافة تتحقق في الحرم المكي خلال دقائق فور الانتهاء من صلاة المغرب، ففي ساعة الذروة في شهر رمضان، وبسبب رغبة المعتمرين من أداء صلاة المغرب في الحرم؛ يعمدون للإفطار في ساحات الحرم المكي، وبالتالي لو ترك الحال دون تدابير سريعة وفاعلة لتنظيف الحرم لتحولت ساحات الحرم إلى مرتع للقاذورات، مع حرص عدد كبير من المعتمرين ولله الحمد على رفع مخلفاتهم.
إن المراقب المنصف لما يحدث فور الانتهاء من الإفطار في الحرم المكي لا يسعه إلا التسبيح والحمد لله سبحانه أن مكن هذه البلاد من خدمة المعتمرين والحجاج، فقد اعتمدت الجهات الرسمية سياسة أعتقد أنها فريدة من نوعها عالمياً، فمع هذه الجموع الغفيرة من مصلين ومعتمرين نجد السرعة والدقة متحققتين بشكل لافت للنظر.. فينظف الحرم ويهيأ، وتوفر مياه زمزم الباردة في كل الزوايا ليكون لائقاً بزوار الحرم المكي الشريف.
كما أن الجهات المختصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال المواسم وفي غيرها لا تنام، وهي دائماً على أهبة الاستعداد لخدمة ضيوف الرحمن، سواء في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، وحتى أوضح الصورة أذكر القارئ الفاضل بحال الإستاد الرياضي بعد الانتهاء من مباراة كرة قدم في الدوري السعودي، فالجمهور الذي يتسمر لساعات معدودات باتجاه الملعب يترك خلفه من المخلفات ما يستلزم رفعها ساعات مضاعفة، أما في الحرم المكي والمدني فلن تجد هذه الفوضى، وستجد جيشا من العاملين مهمتهم الأساسية تهيئة الحرمين ليكونا كما هو لائق بهما، مشرقين نظيفين مريحين لملايين من المصلين والمعتمرين والحجاج.
وبالتالي فآمل أن يقدر الإخوة المصريون ما اعتراني من أسى عند سماعي ما تعرضت له سفارتنا من اعتداءات استهدفت أرواح العاملين في السفارة السعودية في مصر وإتلاف ممتلكاتها، وكان لا بد من القول إننا ما زلنا نعد مصر من أقرب الدول والشعوب إلينا، فقد عهدناها وفية، وقابلنا وفاءها بوفاء مماثل، ومع علمي أن ما حدث هو كفقاعة صابون في فنجان فارغ، إلا أن هذا التصرف موجع كونه صدر على الأراضي المصرية العزيزة، فأين كان الأمن عند حدوث هذه الاعتداءات، وهل تم الإمساك بالمعتدين، ومع ثقتي التامة بالحكومة المصرية وبرئيس مجلس وزرائها، إلا أني وددت إظهار استيائي من تعامل الإعلام المصري ـ الخاص ـ مع الأحداث التي حدثت من جراء مخالفة حوالي مائة ألف من المعتمرين المصريين للأنظمة السعودية، وتجاوز بقائهم على أراضي المملكة الفترة الزمنية المحددة بأسبوعين لبقاء المعتمر في الأراضي السعودية.
فقد صرح مؤخراً معالي السفير السعودي "أحمد بن عبد العزيز القطان" في مصر: أن السفارة لم تصدر من بداية رمضان إلى آخر يوم من رمضان سوى 22 ألف تأشيرة لا غير، وهذا يعني أن هذه الأعداد قادرة على مغادرة المملكة خلال أيام، إلا أن مطار "الملك عبد العزيز" استقبل الآلاف من المصريين المتخلفين الذين قدموا للعمرة قبلها بشهور، وخالفوا الأنظمة رغبة منهم في قضاء شهر رمضان في رحاب مكة المكرمة، وهؤلاء رغبوا في مغادرة المملكة مع نهاية رمضان وبداية موسم الأعياد، ونقلت شركات السياحة أعداداً غفيرة لمطار الملك عبد العزيز، مع أن معظمهم ليست لديه حجوزات مؤكدة على الطيران، فحجوزاتهم كانت على قائمة الانتظار، مما تسبب في إرباك حركة الطيران والحجوزات، بالإضافة إلى إصرار بعض المعتمرين على حمل كميات كبيرة من الحمولة الزائدة عن الحد المقرر عالمياً، وبشكل تفوق حمولة أي طائرة، وهنا حدث الإشكال.
والمؤلم أن تعامل الإعلام المصري غير الرسمي اعتبر ما حدث من تكدس المعتمرين بهذا الشكل هو خطأ السلطات السعودية، ولم يتوقف معظم هذا الإعلام لبيان السبب الرئيسي لمعاناة المعتمرين المصريين في مطار جدة، وبقائهم فيه لساعات طويلة، كما لم يتوقف هذا الإعلام عند ما قامت به السلطات السعودية لحل هذه المشكلة، ولم يشر إلا لمماً لما قام به أمير مكة المكرمة الأمير "خالد الفيصل" الذي أصدر تعليماته العاجلة لسلطات الطيران المدني السعودية بتوفير رحلات إضافية لنقل المعتمرين المصريين، فسيرت حوالي 50 رحلة من جدة إلى كل من القاهرة والإسكندرية لشركة الخطوط السعودية، كما وجه بتشغيل العبارتين «مودة ومحبة» على الخط الملاحي بين ميناء "ينبع" و"سفاجا" لنقل المعتمرين للأراضي المصرية، وأنا أقول إن شركات السياحة مسؤولة مسؤولية مباشرة عن المعتمرين الذين بدورهم يتحملون جزءاً من المسؤولية، ونحن ننتظر نتائج الاجتماعات التي تم الترتيب لها بين الأطراف الرسمية السعودية والمصرية لتفادي مثل هذا الوضع في الأعوام القادمة بإذن الله، كما أقول إن علينا البحث عن نقاط الضعف في موظفي مطار الملك عبد العزيز، الذين اتهموا بأنهم أهملوا المعتمرين وتصرفوا معهم بشكل غير لائق بالرعاية الكريمة التي اعتمدتها حكومة المملكة العربية السعودية على مر العقود تجاه ضيوف الرحمن، وليكن إخوتنا في مصر على يقين أن هذا العتاب هو عتاب محب لشعب نحبه، وتربطنا به أواصر دينية وتاريخية ومصالح مشتركة.