في صفحته على موقع "فيس بوك " يبدي الصديق العزيز الأستاذ محمد المنقري دهشته من وصول"النفاق الشعري"إلى درجة أن يكتب معلم "متشاعر" قصيدة مديح في مدير مدرسته ،حيث يقول " أعرف شعراء ينافقون، لكن للمرة الأولى أسمع قصيدة تفيض بالمبالغة والخوف مديحاً في مدير مدرسة". وأقول له، صديقي محمد: لا تستغرب لأن جينات هذه الكائنات"المتشاعرة" امتلكت مناعة شديدة ضد الحياء والخجل، ليس لأنها ذات مواصفات خاصة، بل لأن النفاق الأدبي الصريح تحول إلى ثقافة اجتماعية مقبولة،ومن متطلبات الحياة والترقي في نظرالكثيرين. فعندما تسأل أحدهم ماذا تريد من هذا ؟ يجيبك بكل بساطة وصراحة: المقسوم سواء من المال أو العقار، دون أن يشعر بأدنى حرج..!! .

وهنا أزيد على الحالة التي ذكرها المنقري حالة مشابهة لـ" متشاعر" آخر يكتب بيتا بالفصحى وآخر بالعامية وثالث لا تستطيع تصنيفه ، لم يبق صاحب مال أو جاه إلا مدحه، ورغم ذلك يشكو من أنه لم يصل لطموحه، فلم يحصل على" شرهات" ولا حتى "سيارات" كما كان يحلم، ولم تفلح خططه ـ سواء قصيرة الأمد أو الطويلة ـ في مد جسور التواصل مع مسؤولين ، لسبب لم يجد له تفسيرا سوى "حظه العاثر" ..!!

قد يقول قائل إن هذه ثقافة عريقة لها امتداداتها التاريخية منذ العصرالجاهلي ثم تطورت على يد المتنبي ومن بعده، ممن امتهنوا التكسب بالمديح، فما بالك لا ترى إلا المعاصرين ؟ . فأقول هذا صحيح للأسف ، وربما هذا أحد أسباب تدهور البنية العقلية والاجتماعية لدى العرب ، وسيادة الديكتاتوريات في مراحل تاريخية ودويلات إسلامية متعددة .

لكن التطور المذهل الذي طرأ على كثير من منافقي(متشاعري) العصر الحالي أنهم لم يعودوا بحاجة إلى الحضور شخصيا إلى مقر الممدوح ، بل يكفي أن ينشر"معلقة المديح" في أقرب وسيلة إعلامية تتجاوب معه ، أو على الأقل يسجل مقطعا على "يوتيوب" مهدىً إلى "الممدوح" .

ولعل من طرائف ما حدث أن تسابق بعض هؤلاء على نشرإعلانات مدفوعة الثمن تتضمن قصائد تصل بالقارئ حد التقزز، مع وضع كامل العناوين أملا في أن يحن عليهم الممدوح بأضعاف قيمة الإعلان، وهي طريقة مطورة في"الشحاذة الشعرية" .

والسؤال الآن: لو تعين مديرأجنبي ،لا يجيد العربية ولم يترب في بيئة تقر مبدأ" اشحذ وخذ" ، في مكان يحوي موظفا عربيا كالذي ذكره الأستاذ المنقري ، ثم كُتبت فيه قصيدة كتلك ، ماذا ستكون ردة فعله ؟ .. وهل يصبح "المتشاعر" من المقربين والمرقين لأعلى الرتب ؟ .. مجرد تساؤل لا أكثر .