هو عام الحزن في شارع الإعلام السعودي. وأحد أكثر السنوات حدادا في تاريخ الصحافة والإذاعة والتلفزيون، بعد أن ودعت الأسرة الإعلامية 10 من أبنائها قضوا نحبهم في روزنامة أيامه المترعة بلوعة الفقد ومشاعر الأسى وهم يحملون رفاق الدرب فوق الأكتاف الى طريق المقابر ومنازل الآخرة.

كان أول الراحلين هذا العام الأستاذ حامد بن حسن المطاوع أحد رواد الصحافة السعودية ومدير عام مؤسسة مكة للطباعة والإعلام سابقا (مارس 2010)، تبعه إلى دار الحق الوزير الشيخ أحمد صلاح جمجوم رئيس مجلس إدارة صحيفة المدينة السابق (يونيو 2010)، ليلحق بهم من جيل الشباب الإعلامي محرر الأخبار في التلفزيون السعودي الأستاذ محمد بن حمد الدوسري الذي قضى نحبه في حادث سير مؤسف على طريق الخرج (أغسطس 2010)، ثم المذيع التلفزيوني المعروف محمد السقا الذي عاجلته نوبة قلبية في الرياض (أكتوبر 2010)، ليلحقهم الشيخ عبدالرزاق بليلة رائد الثقافة المكية والكاتب الصحفي في العديد من الصحف السعودية (سبتمبر 2010).

ومن بين جيل الرواد الأوائل الذين فقدهم الوسط الإعلامي، بعد أن عاش طويلا في ذاكرة الإعلام المثقوبة الأستاذ عبدالغني محمد قستي نائب رئيس تحرير صحيفة البلاد سابقا (نوفمبر 2010)، ليتبعه رجل الدولة والمفكر والكاتب الدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام الأسبق (نوفمبر 2010)، الذي ألقت وفاته المفاجئة كثيرا من الظل على مرارة فقد الإذاعية المخضرمة نجوى صلاح الغرباوي، التي عملت 25 عاما في إذاعة البرنامج الثاني، وتوفيت بعد سنوات طويلة تحملت فيها آلام المرض الخبيث من دون تأمين صحي (نوفمبر 2010)، ليلحقها الأستاذ أمين عبدالله قرقوري رئيس مجلس الإدارة السابق لمؤسسة البلاد للصحافة والنشر (ديسمبر 2010)، ليتبعه بعد أيام قليلة المصور الفوتوجرافي الشاب في صحيفة المدينة بكري القرني (ديسمبر 2010).

لم يكتف العام 2010 الذي بدأ برقميه المستديرين وكأنهما عينان واسعتان ذاب سوادهما في محاجر الدمع، بطيش سهام الموت الذي طال رموزا وأعضاء فاعلة في جسم الإعلام المحلي، بل أثار مشاعر الخوف والفزع على صحة 4 رموز آخرين تعرضوا لسياط المرض وغدر الأوجاع، قبل الاستسلام أخيرا فوق الأسرة البيضاء في عنابر المستشفيات وردهات أقسام العناية الفائقة.

كان من أبرزهم في الربع الأول من هذا العام رائد الصحافة السعودية الحديثة والناشر المعروف السيد محمد علي حافظ الذي يتماثل حاليا للشفاء من آلام في العمود الفقري (مارس 2010)، والكاتب والناشر الكبير محمد صلاح الدين الدندراوي، الذي تجاوز العارض الصحي الأليم ويستعد للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية لاستكمال العلاج التأهيلي (أدخل مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة إثر جلطة دماغية في نوفمبر 2010)، ورئيس تحرير مجلة الحج والكاتب المعروف محمد صادق دياب الذي يتلقى العلاج في العاصمة البريطانية لندن (نوفمبر 2010)، والمحرر الصحافي في جريدة عكاظ (سابقا) مصطفى إدريس الذي يلازم المستشفى جراء إصابته بحادث سير مروع في جدة (نوفمبر 2010).

الراحلون من دار الفناء إلى دار البقاء هم شهداء الموقف والكلمة والعدسة والمايكرفون. رحلوا ولم يأخذوا معهم غير النواح ومرارة الفقد، وقليلا من ذكر "محاسن موتاكم" في ليالي التأبين والعزاء. بعد أن شاركوا في بناء صروح الإعلام، دون أن يحظوا بفرصة جديدة لتنفس بشائر ربيع إعلامي بدأ يهفهف فوق الغابات الجافة، والقلاع العتيدة. المؤكد أن من بينهم من مات ألف مرة، قبل أن تصل روحه إلى الحلقوم. لعل أقساها الموت على مذبح النسيان والذاكرة المثقوبة.

ماتوا لعلة مقيمة في جسم الإعلام ومؤسساته، التي انحرف مسارها من تأثير الكلمة والصورة ومسؤولية نشر الحقيقة إلى شهوة جني الأرباح وقطوف ثمار رأس المال. من بين من رحلوا لم يتوفر لهم حتى مجرد الموت المريح بعزة نفس وكرامة، ومن دون لجوء أحدهم الى صرف كل مدخراته طلبا لعلاج أمراض لم تكن لتصيبه فيما لو اختار طريقا غير طريق الإعلام ومهنة البحث عن المتاعب.

لم يقرب أيامهم لحدود النهاية غير حب المهنة، التي لا تورث غير الأمراض المزمنة. سنوات طويلة قضوها بين الأحبار وغازات المطابع وأجهزة التكييف، وتحت أسقف الإسبستوس المسرطنة، لم يجنوا منها غير الأمراض الخبيثة. كانوا يكتبون ويتابعون مرارة الواقع، ومرض السكر ينهش أعضاءهم. وكانوا ينقلون الفرح وأخبار المسرات، وغول الضغط والقلق يجثم على قلوبهم، وكانوا يفتحون الطريق للحقيقة أمام حواجز الحرية، ليسد الكولسترول عروق شرايينهم وأوردتهم صبح مساء، ثم يموتون خلف خشبة المسرح ومن دون أن يلاحظ احتضارهم أحد.

من بين من فقدتهم الساحة الإعلامية في "عام الحزن"، من مات وحيدا تحت لحاف الستر وغصة التعفف وفواتير العلاج الباهظ التكاليف. لم ينفعه إرث عريض تحفظه محركات البحث، وذاكرة اليوتيوب الإلكترونية، ولم يصرف له بعد إحالتهم للتقاعد، قيمة حبة دواء أو جرعة مصل فحسب، بل لم يحفظ حتى ماء وجه ورثتهم أمام جلافة جباة مستشفيات البنكنوت، قبل استلام الجثة وإكرام المرحوم بإهالة التراب عليه.

أكثر الحسرات ألما، أن الصحافة والإعلام في السعودية تكاد تكون بلا ذاكرة، وسينسى الجميع قوافل الشهداء الى المقابر، ومصير رفاق الحرف والحبر في المستشفيات والمصحات العلاجية، وسيكون العام الجديد 2011 جاهزا بمنجل جديد ذي نصلين حادين كالأمواس لقطف وجبة جديدة من شهداء الإعلام الأحياء.!.