يمثل الاستفتاء المرتقب على مصير جنوب السودان، إما بالانفصال أو البقاء ضمن دولة الوحدة، أبرز مكونات اتفاق السلام الموقع في نيفاشا الكينية عام 2005 والذي أنهى أطول الحروب في القارة الأفريقية. ويرى كثير من المراقبين في الشمال أن الحركة الشعبية المشاركة في الحكم "تتحمل مسؤولية ثقافة الانفصال التي بدأت تنتشر وسط نخب الجنوب، وحذروا من أن الانفصال ليس حلا لمشاكل الجنوب ولكن هو البداية الحقيقية لتلك المشاكل بعد ما تسقط كل الذرائع التي تتعلل بها النخبة الداعية للانفصال.

وفي المقابل تعتبر الحركة الشعبية أن شريكها حزب المؤتمر الوطني لم يبذل الكثير لجعل الوحدة جاذبة طيلة السنوات الخمس الماضية. واعتبرت أن المخاوف التي يثيرها "الوطني" بشأن التداعيات المحتملة للانفصال "مجرد مزايدات لا أكثر".

والشاهد أن خيار الانفصال يبدو في ظل المؤشرات الراهنة "مأزقا خطيرا أمام دولة الجنوب المرتقبة"، إذ أظهرت حكومة الجنوب عجزاً بائنا في تحسين بيئة الخدمات الأساسية مثل المياه والغذاء والطرق والصحة وانشغلت بإنفاق عوائد النفط على البنية العسكرية والأمنية في الجنوب "لحماية حدود دولتها وردع الشمال إذا استدعى الأمر".

ويرى الخبير القانوني ونائب رئيس مجلس الولايات السودانية الدكتور إسماعيل الحاج موسى أن السودان "يمر بأيام عصيبة وتحيط به المخاطر مع قدوم الاستفتاء والذي يمكن أن يؤدي إلى انفصال الجنوب عن الشمال مما يضع البلاد فى خيارين أحلاهما مر". وقال موسى في حديث إلى "الوطن" إن الخيار الأول وهو الانفصال السلس "ويؤدي إلى فقدان الشمال للبترول الجنوبى الذي هو مصدر العملات الصعبة للبلاد وفقدان جزء كبير من الثروة الحيوانية والمائية"، أما الخيار الثاني فهو "انفصال غير سلس وهو ما قد يؤدي إلى توترات بين الجانبين وربما تطور الأمر إلى نشوب حرب وفي هذه الحالة لا يمكن التكهن بما سيحدث". وأضاف أن الوضع سيكون أكثر سوءا بالنسبة إلى الجنوب الذي لا تتوفر فيه أدنى مقومات الدولة من بنى تحتية وكوادر بشرية مما قد يعرض الدولة الجديدة للانهيار فى بداياتها، فضلا عن النزاعات القبلية التي هي سمة القبائل الجنوبية منذ القدم. كما سيأتي الانفصال بمشاكل أخرى لم تحل إلى الآن منها منطقة أبيي وموضوع الجنسية والحدود والديون الخارجية .. هذه هي الصورة الحقيقية للوضع".

وفي كل الأحوال فإن ثلاثة سيناريوهات تنتظر السودان، يأتي في مقدمتها سيناريو الفوضى التي قد تترتب على الانفصال، إذ تنذر القضايا الخلافية بين الشمال والجنوب والتي لم يتم حسمها بدخول البلاد حالة من العنف والفوضى. وقد يؤدي غياب الثقة بين شريكي الحكم وعدم قدرتهما على مواجهة القضايا الأساسية بينهما إلى عودة الصراع مجدداً وعلى نطاق واسع هذه المرة.

أما السيناريو الثاني وهو الوحدة فيعتمد على قدرة الأطراف السودانية في تحقيق اختراقات بارزة على صعيد القضايا الخلافية والحاسمة. وبحسب خبراء في الشأن السوداني فإن مثل هذا التوجه قد يجنب البلاد حالة الفوضى والعنف. وتعتمد مثل هذه الاستراتيجية التوافقية على عدد من القضايا لعل من أبرزها الوصول إلى صيغة توفيقية خاصة بما يعزز من إجراءات بناء الثقة بين شريكي الحكم ويمهد الطريق أمام قبول نتائج الاستفتاء في الجنوب. وبالإضافة إلى ذلك ينبغي الوصول إلى رؤية مشتركة حول مستقبل السودان بشكله الجديد.

أما السيناريو الأخير فهو خيار الانفصال وهذا يمثل مأزقاً لا يمكن لحكومة الجنوب أن تتحمل تبعاته وتكلفته الباهظة. كما أن سيناريو الفوضى والعنف قد يتجاوز حسابات المسألة السودانية وهو ما يعني تفتيت السودان إلى كيانات هشة لا تقوى على الحياة.