العام الحالي هو عام الشعوب العربية والثورات والحريات والصوت المسموع الذي خُنق على مدى عقود في دول دكتاتورية تدعي الديموقراطية، وتمارس الاستبداد بأبشع أنواعه، لكن ماذا بعد؟

مالذي يمكن أن يحدث في الأعوام القادمة وما الذي يمكن أن تنتجه هذه الثورات على المستويات المتنوعة؟

لعل هذا السؤال الملح يجعلنا نفضل قراءة الواقع على استشراف المستقبل ومحاولة قراءته؛ ففي الواقع هناك متغير كبير على مستوى القضية الأم في العالم العربي، وهي قضية فلسطين وذلك من خلال المتغيرات السياسية في المنطقة، لاسيما في مصر وسورية، بالإضافة إلى التوتر الذي يشوب العلاقات التركية الإسرائلية الصديق الوحيد في المنطقة للكيان الإسرائيلي، ناهيك عن تصاعد لغة الشارع العربي الذي لم يعبر في يوم من الأيام عن رأيه الصريح في الاتفاقات الدولية التي أبرمتها حكوماته.

هذا يعني أننا أمام مرحلة جديدة للقضية الفلسطينية يجب على المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأميركية أن تعيها وتدرك أبعاد الوقوف ضد الإرادة الفلسطينية ومن خلفها الإرادة العربية في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.

التوجة للمجتمع الدولي من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية هو مفترق جديد لمسار القضية، ويأتي في وقت مناسب جداً يمكن من خلال إقراره وتعقل الولايات المتحدة الأميركية في عدم ممارسة حق النقض، يمكن أن يقود منطقة الشرق الأوسط إلى حقبة جديدة، تؤثر على مسار العالم بأسره لاسيما إذا تزامن الاعتراف بالدولة الفلسطينية مع حل حقيقي للقدس واللاجئين.

يعتزم الفلسطينيون تقديم طلب الانضمام بعضوية كاملة إلى الأمم المتحدة في 20 سبتمبر/أيلول لكنهم لم يعلنوا إن كانوا سيفعلون ذلك عبر مجلس الأمن أم الجمعية العامة. وإن كان مجلس الأمن يتيح الحصول على العضوية الكاملة إلا أن ذلك سيواجه بفيتو أميركي. أما في الجمعية العامة فيمكن أن يحصل الفلسطينيون على وضع مراقب غير عضو مثل الفاتيكان، وهذا يتيح لهم الانضمام إلى منظمات مثل اليونيسكو ومنظمة الفاو والمحكمة الجنائية الدولية

إذاًً حل القضية الفلسطينية من خلال البدء في خطوات حقيقية بإمكانه أن يؤثر بشكل كبير على منطقة الشرق الأوسط التي عانت طيلة الخمسين سنة الماضية من استنزاف سياسي واقتصادي، أثر بشكل كبير على التنمية في المنطقة نتيجة الحروب التي خاضها العرب في البداية وبعدها مرحلة الاستعداد والتأهب وحالة الحرب الصامتة التي تلاها سلام غير مقنع نتج عنه قلاقل في دول عربية كبرى مثل مصر!

إن تصاعد التيارات الإسلامية بالمنطقة ـ لاسيما بعد الثورات العربية ـ لن يكون في صالح إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية في المماطلة واللعب على الوقت، فالتبشير الأميركي بالديمقراطية ربما لن يتم عقده الماسي، إذا ما تأثرت الإبنة المدللة في ثورة محيطها العربي وهو الشيء المحتمل، لاسيما بعد أحداث الشارع المصري الذي فر على إثره السفير الإسرائيلي.

هذا السيناريو يمكن أن يتكرر خلال الفترة القريبة، أما إذا أخذنا في الاعتبار وصول الإسلاميين إلى السلطة والإخوان المسلمين تحديداً فهناك سيناريوهات كبيرة محتملة خلال العقد الجديد يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة.

ماذا لو حُلت قضية فلسطين بالتزامن مع التغيرات العربية في المنطقة ؟

بلا شك إنها بداية عهد جديد يمكن أن يثمر عن قوة جديدة في العالم لأنه ليس سراً أن القضية الفلسطينية استنزفت دول المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ما جعلها أسيرة مستقبل غامض، أتمنى ألا تتراجع السلطة الفلسطينية ـ كما عودتنا ـ عن خطوتها مهما كانت النتائج لأن الوقت هو الأنسب لهذه الخطوة التاريخية والمصيرية، وأي تأخير ربما يؤجل إعلان هذه الدولة إلى أجل غير مسمى.