بعد الانقطاع الأخير للمياه في الرياض، أثار هذا الحَدَث كثيرا من الناس؛ ماذا لو تعطلت محطات التحلية لمياه البحر المقبلة من الجبيل، أو تعطلت الأنابيب التي تنقل تلك المياه، واستمر هذا العطل لمدة شهر مثلا؟ ما النتيجة المتوقعة لحدثٍ كهذا، والذي قد يحصل؟
من المعروف أن المملكة في أغلب مناطقها تعتبر من أفقر دول العالم من حيث مصادر المياه، حيث لا يوجد حتى نهر واحد أو بحيرة يتيمة! وأهم مصدرين للمياه في مدننا هما المياه القادمة من البحر بعد التحلية المكلفة، وفي الدرجة الثانية المياه الجوفية المحدودة وغير المتجددة! وللأسف أننا من أكثر الشعوب إسرافا للمياه خاصة مع انخفاض تسعيرة استخدام المياه ولله الحمد، حيث لا يكاد يخلو شارع من الشوارع الفرعية من مياه تجري أو مستنقع بعد استخدام أحد البيوت المجاورة للمياه! كما أن الاستخدام الشخصي أثناء الغسيل والاستحمام وما إلى ذلك من قِبَلنا يعتبر من الأكثر إسرافا وللأسف.
أعود إلى الموضوع وأقول؛ ماذا لو انقطعت مياه التحلية عن الرياض العاصمة لمدة شهر مثلا؟ بلا شك أننا ربما سنكون في أزمة وغير ذلك من النتائج التي لا تحمد عقباها. أتساءل ما هي الاحتياطات المؤقتة والطويلة المدى التي قامت بها الجهات المسؤولة عن المياه؟
هناك العديد من الوسائل التقليدية وغير التقليدية لمعالجة هذه المشكلة المتفاقمة، ولا يمكن الإحاطة بها هنا، بل ليست من تخصصي، ولكن كونها شأناً عاماً أود الإشارة إلى عدد من تلك الوسائل، حيث من بينها؛ بناء خزن أو خزانات استراتيجية في المدن الكبرى لتخزين المياه لتكفي المدن بحد أدنى ثلاثة أشهر مثلا، مما يقضي على مشاكل انقطاعات المياه في المدن الكبرى، جراء انفجار أو تعطل بعض الأنابيب أو لأجل الصيانة. ولكن هذا الحل يعتبر حلا مؤقتا، كما لا يساهم في تخفيض تكلفة توفير المياه، ولهذا فإن العمل على اتخاذ إجراءات متعددة أمر واجب.
هناك فكرة، سمعت أنها كانت مطروحة قديما، ولا أدري عن مدى إمكانية تطبيقها وجدواه، إلا أنها بنظري جديرة جدا بالبحث والدراسة، وهي في حال نجاحها ستكون مشروع القرن، وربما تحل الكثير من المشاكل وتخفف كثيرا من التهديد المائي القومي للبلد، ولا يمكن شرح هذا الأمر هنا بالتفصيل، ولكن هي إشارات لعلها تكون مفيدة. هذه الفكرة مبنية على حفر قناة ابتداء من الخليج العربي من خلال المناطق الأكثر انخفاضا، باتجاه وسط المملكة، لتصب في منطقة منخفضة ومعزولة وتكون واسعة، لتسكين مياه البحر وسط الجزيرة، مما يجعل وصول المياه للوسط أكثر سهولة وأقل كلفة على المدى البعيد، كما أن تقنيات التحلية تتطور بسرعة، ويمكن خاصة في حالات اللاسلم الاستفادة من قرب المياه وتحليتها بشكل أكثر أمناً. بالإضافة إلى أنه يمكن من خلال هذا المشروع الاستفادة منه في جوانب كثيرة، منها إنتاج الكهرباء ودعم السياحة وغير ذلك. هذه الفكرة في حال نجاحها؛ ستغير بلا شك خريطة المنطقة، وستكون مشروعا استراتيجيا وتاريخيا خاصة لمنطقة نجد وما حولها، المناطق الأكثر فقرا للمياه، وسيكون المشروع في نتيجته كنتيجة شق قناة السويس التي أصبحت موردا لا ينضب لمصر.
هناك الكثير من الحلول الأخرى، التي يتردد طرحها كثيرا، مثل بناء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي، الأمر الذي يوفر الكثير من النفقات على الدولة، ويحافظ نوعا ما على البيئة ونقاء المياه الجوفية. كما أن الاستثمار في تقنيات تحلية المياه وتطوير تلك التقنيات من الحلول المهمة والاستراتيجية على المدى البعيد، وربما يكون من المناسب دعم القطاع الخاص وتوفير التسهيلات له في هذا المجال. بالإضافة إلى الحلول التقليدية المعروفة، مثل الحدّ من الإفراط في استخدام المياه، سواء الاستخدام الشخصي أو العام، من خلال عدة وسائل نظامية وعقابية وما إلى ذلك.
نقطة أخيرة مهمة؛ وهي لزوم الحد من الاستخدام المفرط للمياه الجوفية، سواء الاستخدام الشخصي أو الزراعي، لما لهذا الأمر من عواقب كارثية على البلد، وقد يكون لهذا الأمر عواقب قد لا تكون مرغوبة من الناس خاصة المزارعين، إلا أن تنظيما لاستخدام المياه ووسائله لازم التطبيق العاجل، لأجل الحفاظ على الثروة المائية التي تعود على البلد أجمع بالنفع.
أخيرا؛ لا شك لدي أن الجهات المسؤولة تسعى جاهدة في حلّ هذه المشكلة، كما أنني أعلم أن تلك الجهات تعمل حاليا لأجل علاج تلك المشاكل بطرقٍ شتى، إلا أن من واجب الجميع المساهمة في حلها، كل بحسب قدراته وطاقاته، وهذا المقال هو نوع من تلك المساهمة، أرجو أن يكون مفيدا.