لا أعرف اسماً ولا رسماً لسعادة مدير عام صحة جازان الذي أعفي من مكانه بالأمس، ولكنني أعرف بالبرهان أن بعض المواطنين استلموا جثث موتاهم من ثلاجة خضراوات مستأجرة من شركة توريد معروفة للفواكه.. وبكامل تحملي لمسؤولية ما أكتب فإن المسؤول عن هذا العبث والامتهان يتعدى ـ المسؤول ـ الضحية، وكان بودي لو أن معالي الوزير قد فرط ـ السبحة ـ بإعفاء كل الذين انتظموا في هذا الخيط الطويل، وهو بالتأكيد سيكتشف أن عقدة السبحة ورأسها يقبعون في دهاليز وزارته. أسهل عمليات التصحيح هي أبسطها حين تصدر فرماناً إلى رأس ضحية، فيما الصحيح أن على صاحب المعالي أن ـ يضحّي ـ نيابة عن كل أمواتنا الكرام الذين ذهبوا للقبور مضمخين برائحة الموز والخيار في ثلاجة للفواكة. أنا واثق تماماً، ومئة بالمئة أن الضحية الأخيرة قد كتب معاريضه من أجل ـ ثلاجة الموتى ـ وأنه لم يلجأ لثلاجة الخضار إلا آخر الحلول، حين طفح الكيل وتراكبت أكياس الجثث.

نحن صاحب المعالي، سنصدق مع أنفسنا للأمانة مثلما سنصدق معك، ومثلما أنه لا يضر ـ الجثة ـ إن حفظت في ثلاجة للخضار أو أودعت في ثلاجة منزلية. لكن القصة برمتها تشير إلى ما هو أدهى من رداءة الخدمات وتدني ما نحصل عليه، رغم ملايين الصرف التي لم تعجز عن سداد مستخلصات التوريد المتضخمة، ولكنها عجزت عن توفير ثلاجة موتى. نحن يا صاحب المعالي نبحث عن سرير حقيقي للحي، وسنتكفل بأن نحفظ موتانا ولو في ثلاجاتنا المنزلية. نحن يا صاحب المعالي نتساءل عن مصير المستشفيات التي أنهى مقاولوها البنيان ثم نامت طويلاً تحت حراسات الأمن لعجز في التشغيل. نحن سنصدق معك ومع الوطن مثلما سنصدق مع أنفسنا إن قلنا إن المواطن قد سئم مشاريع الورق ولوحات المشافي على الطرق فيما بلايين الاعتمادات تنام في الحسابات البنكية. نحن نريد منك أن تحاسب المقصرين عن أسرّة الأحياء، لا عن كوارث ثلاجات الموتى، فالميت ـ رحمه الله ـ لا يشكل قضية. أليس من المفارقة أن يكون قرار الإعفاء بسبب ميت لا من أجل حيّ؟