احتياج كل أمة الحقيقي هو بناء الإنسان وصناعته أولاً ليصنع الحياة ويصافح الأمم والحضارات، وعدم الاستسلام الحقيقي لركب التخلف المريرالذي أصبح مفردةً ملتصقة بالتلازم بعالمنا العربي منذ البكاء على الأطلال!

تلك الموروثات والعلوم والأعلام التي خنَّاها بالعيش على أطلالها تشدقاً بها في الغدو والآصال، ومروراً بالتداعيات المتراكمة التي لم تزل تعيش عند بعضنا والكثير بين أقواس الخيبة (نظرية المؤامرة) وخزعبلات الغرب وبوابة ثقافة الغزو وأوهامها؛ فأغلقت علينا أبواباً وجعلتها محكمة الأُوصاد، وجعلت أجيالاً تدفع ثمن (فكر الإقصائية) بتوارثها ومازالت، وأصبحت ليس ظاهرةً فحسب، بل أسطوانة مشروخة تحمل جميع فيروسات التقنية الحديثة.

يثبت ذلك حصراً التقرير السنوي حول التعليم والذي أصدرته منظمة التربية والعلوم التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) في باريس الاثنين الماضي، حيث أشار التقرير إلى أنه وبالرغم من ازدياد عدد المسجَّلين في التعليم خلال العقد الأخير، إلا أن العالم العربي لايزال بمجمله متأخرا عن مناطق أخرى، وبعيداً عن تحقيق أهداف التعليم للجميع المنشودة، ورغم أنه ازداد التسجيل في التعليم قبل الابتدائي في الدول العربية منذ عام 1999 وحتى اليوم، بنسبة 26%، فبلغ 3 ملايين في عام 2006 إلا أن نسبة التسجيل الإجمالية في هذا القطاع لم تتجاوز 18%، وهي من أضعف معدلات التغطية في العالم في هذه المرحلة التعليمية، أما التعليم الجامعي فقد فاق عدد الطلاب العرب المسجلين في عام 2006 الـ7 ملايين، أي أنه زاد بنسبة 36% عما كان في عام 1999م، ومع ذلك فإن نسبة التسجيل الإجمالية لا تزال 22%، أي أن المشاركة في التعليم العالي ظلت منخفضة في المنطقة، مع تفاوت كبير بين البلدان.

هذا التقرير وغيره الذي رسم صورة قاتمة لوضع المعرفة في الدول العربية قاطبة، ليزيد من جملة مؤشرات الأمية المعرفية والرقمية، فلم يزل ثلث السكان الكبارعاجزين عن القراءة والكتابة، ولم يزل هناك 58 مليون أمي عربي ثلثاهم من النساء حيث بقيت المعدلات في المنطقة دون المعدل المتوسط لمحو أمية الكبار في البلدان النامية بقدر (79%)، يقابلهم ما يقارب 9 ملايين طفل في عمرالمدرسة لكنهم خارج أسوار الدراسة، و45% من الدارسين العرب في الخارج لا يعودون إلى أوطانهم مستقرين في الغرب، أما معدل نمو استخدامات شبكة الإنترنت فيبقى دون معدل النسبة السائدة في العالم وهي 21% من السكان، إضافة إلى تحجيم الحريات كبيانات تمكينية معرفية بما هي عليه في بقية المناطق في العالم، وأمية ( كُتبيَّة ) بتوزيع مجموع الكتب المنشورة سنويا على عدد السكان ليكون لكل 19150 مواطنا عربيا كتاب واحد فقط مقابلةً مع كتاب لكل 491 مواطنا إنجليزيا ولكل 713 مواطنا إسبانيا، ليصبح نصيب المواطن العربي من إصدارات الكتب ما يمثل 4 % و5 % من نصيب المواطن الإنجليزي والإسباني على التوالي.

ومروراً للترجمة فيترجم أقل من كتابٍ واحدٍ لكل مليون (إنسان) عربي ؟؟ يقابله لكل مليون إسباني 920 كتاباً سنوياً ونسبةً مخجلة للإنفاق على البحث العلمي للدول العربية (مجتمعة) 0,3 % بينما تنفق إسرائيل 2,5 % من الناتج القومي!.

أدلةٌ حتميّة والأمثلة كثيرة تنزف في زمن الأمنيات وتعويم العقول وخلط الأمورالمتناقضة، فالدلائل غير المبتذلة تشهد عليها بيئات تعليمية متهالكة ومقررات دراسية متكلسة تحاكيها طرائق تدريس من زمن الكُتَّاب تنظيراً وتلقيناً، تقود عروبتنا لتخبطات تنموية تعليمية برغم ادعاءات الخطط والحلول الاستراتيجية وانعقاد المؤتمرات والاجتماعات وتكرار توصيات عقيمة أصابها التكهل حتى السقم بدءاً من الاستعدادات في كل عام وجيلٍ بتوفر كتب دراسية ومعلمين وطاولات فقط لاغير كمؤشرٍ لنجاح كل عام دراسي لتسوق أجيالنا من رمضاء الأمية إلى قواحلها! والأسئلة الموجهة للحكومات العربية؛ متى ستوظف جميع إمكاناتنا المادية والبشرية نحو التعليم؟ وهل سيكون هناك خطط استراتيجية تربوية تعليمية يشارك بها ويتشربها جميع أفراد المجتمع بدلاً من خطط ومشاريع أشخاص تنتهي بهم؟ وهل سنتعلم من تاريخنا مواكبة الحضارات إنتاجاً وصناعةً للحياة لتحفظ بها حرية العقول وكرامة الإنسان ؟ أم أننا سنظل كل عام ننتظر إكمال ترجمة الكتاب (الخديج) لكل مليون عربي، ونندب ليتنا نتعلم في التعليمِ، التعليم.