كل يوم جديد يضيع من عمره الذي تجاوز التسعين عاماً، يصحو عبد رب الرسول المصطفى ليجد نفسه في قلعة القطيف التاريخية، محاطاً براحة لا تضاهيها راحة، يستنشق الحنين الجميل لزمن أجمل كما يصفه، ويقتات على المشاعر التي تتوق إلى بساطةٍ عانقتها المودة والإخاء والإحساس الصادق بالأسرة الواحدة، والتي قلما يشعر بها في هذا الزمان، متمسكاً بالبقاء في هذا الموقع، رافضاً الابتعاد عنه، بالرغم من إصرار أبنائه على اصطحابه إلى سكنهم الجديد، الذي يختلف حاله عن حال المكان الذي يسكنه مصطفى، من حيث التكنولوجيا الجديدة والأجهزة الحديثة التي لم يجد فيها مصطفى أي متعة تشجعه على الابتعاد عن موقع سكنه مع أهله وآبائه وأجداده.

المصطفى هو واحد من الأشخاص الذين التقت بهم "الوطن"، أثناء جولة ميدانية لرصد 18 منزلا أثريا آيلة للسقوط، هي كل ما تبقى من مبانٍ في "قلعة القطيف" التاريخية.

حنين إلى الماضي

المصطفى، من أهالي محافظة القطيف، ومن كبار السن الذين يرفضون مغادرة المكان الذي يذكرهم بالماضي الجميل، متمسكين بحنين وعبق ذكريات تلك الحقبة الزمنية في حياتهم المتبقية. ويقول إنه لا يطيق الابتعاد أو الرحيل عن منزله القديم في "قلعة القطيف"، ويصر على البقاء في القلعة رغم المحالات العديدة لأبنائه من أجل انتقاله معهم إلى أحد الأحياء الجديدة. ويؤكد لـ"الوطن" قائلاً "أشعر بالراحة أكثر أثناء البقاء في منزلي القديم حيث الذكريات والحنين إلى الزمن الجميل، فقد كنا نعيش في السابق كأسرة واحدة تجمعنا المودة والإخاء". ويتنهد وهو يتذكر أطلال الماضي، ويقول "كم اشتقت للماضي، حيث كنا نعيش في حوش واحد ببساطة الحياة آنذاك".

مطالبة بالترميم

ويضيف المصطفى أن السكن قديماً في القلعة "قبل 70 عاماً" تقريباً، عادة ما يكون في منزل مشترك، تسكنه مجموعة من الأشخاص من عائلة واحدة، ويقول "نظراً لتطور نوعية المسكن أخذت الأنواع القديمة تتضاءل نسبتها نتيجة للزيادة السريعة للأنماط الحديثة، بالإضافة إلى انهيار المباني القديمة، وإزالتها، لتحل محلها المباني ذات النمط الحديث، وبالرغم من أن المباني القديمة لم تندثر تماماً، وما زالت قائمة، إلا أنها قليلة من حيث الكم، ومعظمها غير مسكون، ونرجو أن يتم ترميمها لتظل معلماً تراثياً يميز محافظة القطيف".

انتزاع وإزالة

ويضيف الرامس قائلاً "في عام 1405هـ انتزعت ملكية القلعة من الأهالي وأزيلت المباني في كل من "فريج الخان"، و"الوارش"، و"السدرة"، و"الزريب"، وبذلك فقدت القطيف أهم المناطق التي تدل على نوعية المعمار القديم في تلك الحقبة الزمنية، وكان من المفضل الإبقاء على هذه المباني كشاهد على حضارة القطيف، ونحن نتمنى لو يتم ترميمها لتظل رمزاً للمنطقة، ومعلماً سياحياً يقصده السياح".

تاريخ القلعة

ويتابع الرامس "تاريخياً تقع "القلعة" في قلب مدينة القطيف وعلى تل مرتفع بناها الساسانيون في القرن الثالث الميلادي، وكان فيها قصر البلاط الملكي وقصور الضيافة وحظائر المواشي، وغدت حاضرة لهذه المنطقة بعد أن كانت بلدة صغيرة يسكنها صيّادو الأسماك، وكان لها سور عظيم، وقد جدد بناؤه في عدة عهود، إذ قام السلطان سليم الثاني في غرة محرم سنة 968هـ بتجديده، وجدد أيضا في العهد التركي سنة 1039هـ، وكان في القلعة أحد عشر مسجداً، أشهرها مسجد المنارة، والراجحية، والخان، وكانت تسمى قديماً "جبرو".

مواصفات التصميم

ويؤكد الرامس أن القلعة في ماضيها القريب، كان يحيط بها سورٌ قديم يبلغ سُمكه 7 أقدام، وارتفاعه 30 قدماً تقريباً، وتبرز من بين جوانبه وزواياه أبراج عالية مستديرة الشكل، وتوصل هذه الأبراج التي يبلغ عددها أحد عشر برجاً، جسوراً ممتدة في أعلى السور، لتتصل الحاميات بعضها ببعض أثناء قيامها بمهامها، وكان لها أربعة أبواب.

توقف الإزالة

من جهتها أكدت بلدية محافظة القطيف في تعليقها على قيمة الموقع والرؤية المستقبلية له بأن منطقة القلعة تعتبر من أقدم المناطق في مدينة القطيف. وقال رئيس البلدية خالد الدوسري: أزيلت الكثير من البيوت المتهالكة في القلعة، وبقي منها 18 منزلا آيلا للسقوط، توقفت إزالتها بسبب طلب هيئة السياحة والآثار الإبقاء عليها. وقد جرت مخاطبة الهيئة أكثر من مرة من أجل تحديد المنازل التي ستكون تحت مسؤوليتها، وذلك من أجل الحفاظ على سلامة الناس، ولخطورة بقاء المنازل وهي متهالكة ومعرضة للانهيار في أي وقت.

ميدان جديد

وأضاف الدوسري: قامت البلدية بتحويل الساحة المتوسطة للمنازل إلى ميدان ذي شكل لائق وجميل يريح الناظرين له، ووفرت البلدية مناطق استثمارية في نفس الموقع، ومرافق، ومواقف للسيارات، وأماكن للجلسات عند المظلات، ومسطحات خضراء وأشجار نخيل، وممرات يمكن استخدامها للمشي، كما أن الساحة تخدم المنطقة السكنية لتوفير جميع الخدمات الترفيهية، ويحتوي الميدان على بوابة ذات ثلاثة أبراج، وعشر مظلات كبيرة، ومسطحات خضراء بمساحة 275 ألف متر، و141 عمود إنارة، و542 كشاف إضاءة.