يعد التعليم العالي لدى أي مجتمع هو القنطرة التي يصل من خلالها الطالب إلى اختصاصه، وعبرها يختار مسار حياته، والتعليم منظومة متكاملة، تقوم على المدرسين وعلى المناهج والمباني والإمكانات والتطور العلمي والمعرفي، لهذا فإن الطالب حين يدخل إلى الجامعة فإنه يكون قد حسم تخصصه. غير أن ملاحظةً لم تطرح كما يجب ـ في نظري ـ وهي إشكالية التدريس في الجامعات، وآليات اختيار المعيدين. لهذا يتم تكريس الأستاذ التقليدي الذي يعتمد على التدريس من خلال التلقين أو التحفيظ والذي لا ينتج إلا الطلاب المستسلمين للأجوبة من دون أن يعيشوا نشاط الأسئلة وحيويتها.

مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العثمان انتقد أولئك المدرسين الذين لا ينتجون إلا الفشل، حين قال قبل يومين: "يجب أن نعترف بأن هذه الجامعة وجامعات أخرى مر عليها ردح من الزمن كان الأستاذ يعتبر الإنجاز الكبير هو حضوره المحاضرة فقط، ويعتبر نفسه يؤدي الأمانة بمجرد حضوره لخمسين دقيقة، ولن تبرأ ذمة أحد منا حتى نستطيع أن ننقل أفضل ما لدينا بعد إخضاع أنفسنا للتدريب والمهارات، المدرس إما أن يكون مطورا للمحصول المعرفي وبالتالي يكون ناقلاً للمعلومة فقط، وبالتالي ينتج جيلاً من النائمين الفاشلين الذين ينتهي تفاعلهم مع المعلومة باستلام شهادة التخرج، أو أستاذا فاعلا يطبق التدريس الفعال".

أعظم المدرسين ذلك الذي يتيح المجال للحوار بينه وبين طلابه، فلا يكون خائفاً من أسئلة الدارسين في القاعة، بل يخصص محاضرةً كل أسبوعين مثلاً لتلقي الأسئلة والتحاور مع الجميع، وحين لا يعرف الإجابة يعدهم بالبحث أو يكلفهم به، لأن من الطبيعي أن يكون لدى المحاضر أو الأستاذ أو الدكتور جوانب نقصه العلمي كما هو حال كل إنسان، غير أن هذا النقص يجب أن يفهمه الأستاذ كطبيعةٍ بشرية، وأن لا يتعامل معه كخطرٍ محدق، أو على أن كل الأسئلة التي يطرحها "عفاريت" الطلاب الأذكياء تعتبر إهانةً له أو توبيخاً أو امتحاناً لقدراته، بل الحوار هو أساس ثلم النقص والمعرفة لا تكتمل أبداً.

قال أبو عبدالله غفر الله له: التعليم التلقيني لا يجب أن يغفلنا عن التعليم بالأسئلة والحوار، بعض الجامعات صارت مجرد "ثانويات ضخمة"، ولم تصل إلى مستوى التعليم الجامعي الذي يدار على أعلى أساليب التعليم في أوروبا وأنحاء العالم. نعم المدرس الفاشل ينتج جيلاً فاشلاً لكن على الجيل الدارس أن يحمي نفسه من ثلاجات التلقين من خلال القراءة الخاصة والاستفادة من الجامعة لإشعال الأسئلة والاستمرار في التزود من المعارف!