قبل سنوات كنا ـ أنا وأحد الأصدقاء ـ سائحين في أرض الله الواسعة، تعمدنا أن نبتعد قدرالإمكان عن المدن المعروفة.. كنا نبحث عن أماكن لم يطأها قبلنا خليجي.
شخصيا أشعر بالراحة في تلك الأماكن.. لا أحد يلقي لك بالا.. لا أحد يتلفت نحوك.. لا أحد يراقب خطواتك حينما تسير في الشارع.. لا احد يستغلك.. تعيش حياتك بتلقائية مفرطة.. تمارس حريتك كما تشتهي وتحب وتريد.. دون أن تثير انتباه أحد.. أو فضول أحد.. أو ملاحقة أحد.
دخلنا قرية صغيرة نائية جدا، ليس للخليجيين أي أثر فيها.. تناولنا طعام الغداء في أحد المطاعم على مدخل القرية ـ كان المطعم الوحيد فيما يبدو.. كان المكان ضيقاً لكنه يتميز بطراز قديم.. أرضياته خشبية تبعث على الراحة.. يوفرالدفء والخدمة المتميزة ـ كنا نتعامل مع النادل بأدب جم.. نطلب منه ونقدم له الشكر ـ تماما كما نفعل في أي مكان آخر ـ في النهاية قدمت له مبلغا بسيطا ـ لكنه حتما أكبر بكثير من الذي يتحصل عليه من بقية الزبائن المحليين ـ عند الباب وقفت أمام صاحبة المطعم ومددت يدي لها.. أقدم لها الشكر على حسن الاستقبال ونظافة المكان ولذة الأكل ومناسبة الأسعار، متأملا أن أعود هنا يوما ما.. قلت لها إن اتساع صدوركم غطى على ضيق المكان.. ابتسمت ابتسامة عميقة تذيب الهموم.. قبل أن نغادر طرحت علينا السؤال الذي انتظرته طويلا، فكان الجواب:" We are from Saudi Arabia " !
كنا قد تركنا المطعم خلف ظهورنا حينما قال صاحبي: لماذا فعلت ذلك وأنت تعرف أننا لن نعود مرة أخرى هنا"؟!
قلت له أريد أن أترك لديهم انطباعا حسنا عن السعوديين.. صورتنا ليست على ما يرام في العالم اليوم.. وأظن أننا أول سعوديين يتعاملون معهم.. أردت أن أزرع بذرة محبة.. سيحصد ثمارها أحد أبناء بلدي حينما يأتي هنا يوما ما.. تماما كما نحصد أحيانا محبة لا نعرف سببها.