"الله يـ ...، يا ملـ ...، والله لألـ ... والديه، وين الملـ ...؟".

كم مرة تمر على مسمعك طوال اليوم أمثال هذه العبارات؟ في العمل، في الشارع، في السوق، في بعض البيوت، تمر جارحة للأذن، خادشة ألق الروح.

لا عليك، فقط تذكر أنه مر عليك "أن اللعن هو الطرد والإبعاد من رحمة الله" طبقا لما فاض به المنهج الدراسي.

أنت لا تتذكر في أي صف صافحك هذا التعريف كمعنى اصطلاحي. ولكنك تتذكر جيدا أنه مر عليك أيضا "ليس المسلم بالسبّاب ولا باللعّان".

ومع ذلك تمتلئ أوقاتك صبحا ومساء باللعن واللاعنين والملعونين والملعونات.

بعيدا عن الخوض في تفاصيل شرعية حول اللعن، حدوده وحيثياته ومبرراته ومقتضياته، أظن أنه يمكننا أن نتفق حول أن تلك العبارات، مؤذية لروح ومشاعر الإنسان، أيما إنسان، فما بالك حين يكون مسلما، محاطا بنصوص دينية تنهاه عن الفحش في القول والبذاءة في اللسان!

لكن المشكلة أننا نعيش على مستوى الواقع انفصاما تاما، وانفصالا مريعا عن النص المقدس، لنغرق في ابتعاد مؤسٍ عما نهينا عنه، ونتغافل عن "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت 34). أو عن "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" (الأعراف 199). نتجاهل كليا الخطاب السلوكي والأخلاقي العظيم في نصنا الديني، ونلتفت لشكليات لا يمكن أن تؤسس قيما وتعزز أخلاقيات تعامل وتعاط.

والمؤلم أنك لا تفتأ تسمع من أطفال صغار "يا ملعونة، يا حيوانة"، وسط تغافل تام من قبل الوالدين أو القيمين في بعض الأسر، لتتأكد من صدقية البيت "وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما عوده أبواه"، فآباء وأمهات هذا الزمان انصرفوا كليا عن واجباتهم وتركوا أطفالهم نهبا للخدم والهباء الأصفر.

والمفزع أكثر أن دور بعض المعلمين والمعلمات اختلف عن معلمينا الأوائل، فأفرغ مفهوم التربية من محتواه، وباتوا هم من يتصدرون قائمة اللاعنين واللاعنات، ليفضى الأمر إلى أن تصير تلك العبارات جزءا من معجم وقاموس الأجيال، يرددونها بلا حرج أو أدنى (حشيمة) وحياء. لتبقى أنت تعيد السؤال (لماذا يحدث هذا)؟

دون أن ترهق عقلك بحثا عن إجابة، يمكنك استحضار شيء من الأدبيات الشعبية وهي تردد (الملافظ سعد) التي تتقاطع مع الآية الكريمة (... وقولوا للناس حسنا)، لتتأكد أن محاضن التربية الأولى (البيت، الأسرة، البيئة، المدرسة) كلها مسؤولة عن تربية النفس، وصياغة الخطاب لدى المرء منذ نشأته، فكلما كانت هذه المحاضن سفيهة، يكون بالضرورة أن ينتهي المرء سفيها، أو على الأقل متقبلا للسفاهة والبذاءة.