سأتطرق لما نشره الإعلام مؤخرا عن معاناة أبنائنا في الغربة، الذين غادروا الوطن وفارقوا الأهل متطلعين للعودة بإضافة واعدة بإذن المولى تعالى، فواجه بعضهم أصنافا من معاناة مادية هددت إكمالهم لمسيرتهم العلمية، معاناة لا أفهمها مع ما تقدمه حكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، من رعاية شملت كافة مصاريف المبتعثين وحتى الضمان الصحي، بل شملت كافة مصاريف من توجه للابتعاث برفقة زوجته وأبنائه أو برفقة زوجها وأبنائها، هذا ما أعرفه ويعرفه كل متابع لبرنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، ويحضرني هنا موقف جديد لوزير التعليم العالي معالي الدكتور "خالد بن محمد العنقري" أفرح الكثير من طلاب وطالبات التعليم العالي في الداخل، فبعد عدة أعوامٍ من معاناة طلبة بعض الجامعات من جراء تأخر صرف مكافآتهم، وجه معاليه مؤخرا مديري 24 جامعة سعودية، بسرعة صرف مكافآت الطلاب والطالبات، وإيداعها في حساباتهم في موعد لا يتجاوز الـ25 من كل شهر، وهذا التعميم كان تجاوبا من الوزير مع ما ورد من الطلاب والطالبات المنتظمين في الدراسة في بعض الجامعات من شكاوى متكررة جراء تأخر صرف مكافآتهم الشهرية عن مواعيد صرفها المعتمدة بفترات طويلة، فقد لاحظت وزارته ـ كما نشرت جريدة (الحياة) في تقرير سابق لها ـ من خلال التدقيق في تواريخ أوامر الدفع التي ترد إليها، تأخر صرف مكافآت الطلاب والطالبات في الداخل، كما أبدى في تعميمه ذاك استعداد وزارته لمساعدة أي جامعة تواجهها صعوبة في تطبيق الإجراءات مع البنوك، وتحويل مكافآت الطلاب في وقتها المحدد.

إلى هنا كان الخبر سعيدا جدا للكثيرين من الطلاب والطالبات الذين تتوقف حياتهم على استلامهم لهذه المكافأة، فمن خلال خبرتي أعلم أن هناك من يعتمد عليها اعتمادا كليا بعد الله، بل هناك من يساهم من خلالها في مصاريف أسرته.

وكل ما أتطلع إليه أن يعمم معاليه مثل هذا التعميم على جميع ملحقياتنا الثقافية في الخارج، هذا إذا لم يكن قد اعتمده قبل كتابة هذه السطور، كما آمل أن يعمم على وسائل الإعلام ليطمئن الطلاب والطالبات المبتعثين على أن صوتهم وصل كما وصل صوت طلاب الداخل، فأبناؤنا وبناتنا المبتعثون سواء من يدرسون في أستراليا أو في أميركا محل النزاع، أو في غيرهما، إن معالي الدكتور خالد الذي روعه تأخير مكافآت طلبة التعليم العالي في الداخل لن يقبل بما يعانيه طلابنا في الغربة، فكرامتهم من كرامتنا وعزهم من عزنا، ولا شك أنه ـ بارك الله فيه ـ يقدر ظروفهم وهم مغتربون بشكل يفوق تقديره لأوضاع أبنائنا وبناتنا الطلاب في جامعاتنا الوطنية، الذين نالوا منه هذه الرعاية وذلك الاهتمام.

ولتوضيح صعوبة الوضع أنقل بعض ما نشر في أحد المواقع الإلكترونية، إذ ذكر حديث أحد المبتعثين في أميركا الذي لخص فيه الوضع المأساوي للطلاب والطالبات المبتعثين بقوله: "حيث إن بعضهم مهدد بالترحيل من أميركا بسبب الإقامة غير النظامية، إلى جانب أن بعض الجامعات والمعاهد يهمها في المقام الأول حصول الطالب على تأمين صحي، وتقديم خطاب الضمان المالي للجهة التي يدرس بها لكي لا يتعرض للطرد.." كما قال أحدهم: "لا يخفى على أحد أن النظام المتخذ في الجامعات ومعاهد اللغة في الولايات الأميركية، ينص على حصول الطالب على تأمين صحي، وتقديم خطاب الضمان المالي للجهة التي يدرس بها". كما أكد آخرُ سوداوية الوضع بقوله: "إن المشرفين في الملحقية يرفضون إنجاز المعاملات بحجة أن لديهم تعميماً ينص على أنه لا بد أن يكون التواصل عن طريق البوابة الإلكترونية" كما زاد آخر أنه: "إذا تم الرفع عن طريق البوابة لا يجد من يجيبه، أي أننا في الحالتين أصبحنا تائهين، وأصبح مستقبلنا بين فكي التكهن والاستفهام، وأصبح تفكير الطالب مشغولاً بحساب متى يتم رفع الطلب ومتى يتم الرد عليه، ومتى سيتم طردي من أميركا؟ فأي تعليم نستطيع الحصول عليه مع هذا الضغط النفسي والتشرد الذهني الذي نعايشه بشكل يومي؟"

الحقيقة أنني ـ بحمد الله ـ لم أشعر يوما أن ابني يعاني هذه المعاناة وهو يدرس في أستراليا، بل إنه لم يشعرنا يوما بحاجته للمال، فقد كان دائما يقول إنه لا ينقصه شيء، وهذا ما أثار دهشتي من هذا الوضع الذي يعانيه طلابنا وطالباتنا المبتعثون في أميركا، فقد كانت الرعاية التي تصله من الملحقية تخفف من وطأة الفراق وصعوبته، وكنا نشعر أنه في وطنه وبين أهله، جزاهم الله سبحانه عنا خير الجزاء.

ومع ما يستوجب علينا من شكر الملحق الثقافي بأميركا الدكتور محمد العيسى على تصريحه الذي أصدره مؤخرا والذي جاء فيه: "استعداده للرد بشكل قوي ورادع ضد أي موظف داخل الملحقية في حال ثبتت إدانته بالتقصير والتهاون في القيام بمهام عمله بالشكل المطلوب منه. مشددا على أن جميع العاملين بالملحقية بمن فيهم الملحق الثقافي وجدوا من أجل الطالب، ولخدمته بما يضمن توفير الأجواء الملائمة لإتمام مسيرته الدراسية بنجاح.." إلا أننا بحاجة لمعرفة هل ستصدر قرارات حاسمة ترفع عاجلا غير آجل معاناة أبنائنا وبناتنا، ومن ثم ننتظر منه تلك الإجراءات التي نأمل أن تكون حاسمة ضد كل مقصر.

وإلى أن يحدث ذلك أذكّر الملحقية في أميركا وكافة العاملين فيها وفي غيرها بتعميم الوزير بشأن تأخير مكافآت طلاب الداخل، وأستفسر عن كيفية تصورهم لردة فعله تجاه ما يتعرض له أبناؤنا وبناتنا المبتعثون في الخارج من إهمال لا يتوقف فقط عند تأخير المكافآت.. وعدم حصول بعضهم على التأمين الصحي، بل يتعرض بعضهم للترحيل، بسبب إقامتهم غير النظامية.