على طرفي نقيض، وبازدواجية محضة يتعامل كثير من العاملين والمتابعين لوسطنا الرياضي في حكمهم على الأمور.
أجمع كثيرون على أن العلة في كرتنا السعودية تكمن في عدم منح الصلاحيات للمدرب، وفي التدخل بعمله بمناسبة أو دونها، وفي فرض أسماء بعينها على التشكيل الذي يعتمده، وطالبوا مراراً وتكراراً بأن تطلق يده، فيختار من يشاء لخدمة أسلوبه وتكتيكه، ومن ثم محاسبته على الأهداف المرسومة، والتي تم التعاقد معه بهدف تحقيقها.
على مستوى المنتخب الأول كانت النغمة تغمز دائماً من قناة تدخل مسؤولين بعينهم في صلاحيات المدرب، وفي تلميح حيناً، وتصريح حينا آخر إلى أنه مجرد منفذ لتوجيهات تأتيه صارمة جازمة، فلا يجد حيالها سوى القبول للاستمرار، أو الرفض ليصبح خارج الحسابات.
لكن هؤلاء الغامزين، ينسون أنفسهم، ويتجاهلون أنهم يمارسون ما ينتقدونه، وهم يصرون على المطالبة بالاستعانة بلاعب هنا، وانتقاد استدعاء لاعب هناك.
يحدث هذا الأمر اليوم مع مطالبة متكررة لمدرب المنتخب الأول فرانك ريكارد باستدعاء قائد الاتحاد محمد نور.
وقد يذهب قائل إلى التلويح لرفضي وجود نور في المنتخب، لكن هذا ليس حقيقاً فأنا شخصياً أميل لوجوده على الأقل لاستثمار شخصيته القيادية، وخبرته العريضة في المراحل الحرجة التي يمر بها الأخضر اليوم، إلا أن المبدأ العام يقتضي أن نترك المدرب لعمله، لأننا لو كنا أكثر دراية منه لما احتجنا التعاقد معه، ولا تطلب الأمر أن نرهق خزائننا في سبيل استقدامه.
أعرف أن البعض سيقفز مباشرة صوب البعيد، ليعلن أن المدرب يجب أن يُحاسب، وألا يترك له الحبل على غاربه دون استفسار وتساؤل، لكني أرى أن تلك المساءلة يجب أن تأتي في إطارها السليم الذي يقتضي مطالبته بتبرير خطواته، ومراقبة مدى ملاءمتها للهدف المرسوم والموضوع باتفاق الطرفين، وليس في إطار فرض قناعات أخرى مهما كان مصدرها عليه.
بالأمس ذكرت أن "الوقت يخنق ريكارد"، واليوم أصر على أن التدخل في عمله، ووضعه تحت الضغط الإعلامي أو الجماهيري للدفع بهذا اللاعب أو ذاك، سيخنق قدرته على تقديم الأفضل وفق الرؤية التي يمتلكها، والتي أُعلن صراحة أنها كانت خلف التعاقد معه لبناء منتخب يعود بالكرة السعودية إلى نهائيات كأس العالم ابتداء من مونديال البرازيل المقبل.
نحتاج فقط أن نتعلم "إعطاء الخبز لخبازه"، ونحتاج أن نؤمن بالتخصص، وأن نتعلم الصبر، وأن نثق أننا لسنا وحدنا في الميدان.