الضوء يمثل أعظم جدلية في الوجود، فمنه عرفنا أنه مزيج من سبعة ألوان، وفي حوافه أشعة حامية غير مرئية، ومن الضوء ولد الليزر، وحتى اليوم يتجادل الفيزيائيون عن حقيقته هل هو فوتونات أو موجات أو كليهما أولا أحد منهما؛ بل حقيقة أخرى لا نعرفها. وأهم شيء فعلته النسبية ومن خلال سرعة الضوء (300 ألف كم \ ثانية) أنها كسرت المسلمات العقلية التي ارتاح على ظهرها العقل الإنساني قرونا طويلة. وأدركنا أن المسلمات هي تصوراتنا لا أكثر. وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً. ومعنى هذا الكلام أن النسبية لم تعد نظرية في الفيزياء، بل ألقت ظلالها العقلية على فلسفة جديدة لفهم الكون. كان آينشتاين وهو طفل يراوده حلم باستمرار: هل يمكن أن يعتلي ظهر شعاع الشمس؟ أهم ما في نظرية النسبية هو المراهنة على سرعة الضوء. وقصة الوصول إلى سرعة الضوء لم تكن سهلة، فديكارت اعتبر أن سرعة الضوء لا نهائية، في حين خرج غاليلو وأتباعه ليقيسوا سرعة الضوء وفي أيديهم القناديل في الليل البهيم فأدركوا أنه مستحيل، وكانوا كمن يقيس الأرض بالشبر. حتى استطاع (فيزو) بتقنية الأقراص المسننة أن يحددها قريباً من 300 ألف كم للثانية. ومن رحم السرعة ولدت النظرية النسبية التي اعتبرت أن الوصول إلى سرعة الضوء يعني أربع استحالات: استهلاك لا نهائي للطاقة، وزيادة الوزن بأكثر من الكون جميعاً، وانضغاط بعدين إلى الصفر، فيصبح الإنسان في بلاد أليس للعجائب مضغوطاً بدون عمق وعرض، ورابعاً توقف الزمن. وأمكن التحقق من النظرية النسبية بقياس انحراف أشعة الشمس بخسوف عام 1918م، وزيادة كتلة الجزيئات دون الذرية في المسرعات النووية. ولكن توقف الزمن مع زيادة السرعة يجعلنا نشعر بالدوار، فالزمن ليس له وحدة ثابتة في الكون، بل هو مختلف التدفق من مكان لآخر، مثل جدول الماء الذي يسرع في المنحدر ويتباطأ مع السهل. كما أن النسبية العامة أدخلت الخلل إلى مفهوم الزمن من خلال (الكتلة) فمع ازدياد الكتلة إلى اللانهاية يتوقف الزمن من جديد، وهكذا فالزمن على ظهر المشتري أو الشمس أبطأ منه على الأرض.
وإذا كانت مسلمات من هذا القبيل واردة بحيث نخرج ببعد رابع بعد الطول والعرض والارتفاع ليصبح الزمن البعد الرابع المكاني. كذلك انقلبت المادة إلى طاقة وبالعكس، والزمان إلى مكان. وهذا المفهوم يمكن (تعقله) ولكن لا يمكن (تصوره) مثل النملة التي ترى الأرض سطحاً لانهاية له في الوقت الذي ندرك نحن أننا نعيش على ظهر كرة. وأما الفيزياء الحديثة فقد أوصلت الأبعاد إلى أحد عشر بعداً. أما (توينبي) فيرى مسألة الأبعاد على نحو تاريخي تتدرج فيه إلى البعد الخامس بظهور الحياة، ثم السادس بانبثاق النفس الإنسانية، ثم السابع بظهور البعد الاجتماعي.
إن أخطاء عقلية ضخمة يمارسها العقل تحتاج إلى تصحيح كما يذكر (محمد كامل حسين) في كتابه (وحدة المعرفة) عن (الغائية) و(الحقيقة) و(الثنائية) و(الزمن). مثل أن غاية الشيء تخلق وسائله، فيقول إنهم يخطئون مثل "من يرى بصمات الأصابع خلقت لتسهل على رجال الشرطة تتبع المجرمين، أو من يقول إن العظم اللامي خلق ليدل على جريمة الخنق". أوعندما نقسم العالم من حولنا إلى ثنائية فنجعل إحساساتنا مصدر الحقيقة، ونصف الأشياء أنها حارة وباردة. أو تصف ألسنتنا الكذب هذا حلال وهذا حرام. وهو تقسيم متحكم فيه، كما أن الحموضة هي مقدار تركز أيونات الهيدرجين في الوسط. ويمكن نقل هذه الفكرة إلى علم الاجتماع لفهم الخطأ والصواب والشر والخير. وعندما تقول الفلسفة إنه يستحيل اجتماع النقيضين مثل الحرارة والبرودة فهما ليسا بنقيضين، بل تدرج في ميزان الحرارة وتكامل في الصعود والهبوط. واعتبر القرآن أن حادثة الإفك لم تكن شرا "بل خيرا لكم" وهكذا فما هو شر في مرحلة للبعض قد يكون خيرا في مرحلة متقدمة لآخرين. وهذا يدخل النسبية في كل شيء. وفي قصة ولدي آدم اعتبر القرآن أن القاتل هو الخاسر، وأن المقتول الذي لم يدافع عن نفسه هو الرابح، وهي لب الفلسفة السقراطية. "فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين".
يروى عن راسل أنه كان يقول: "أنا غير مستعد أن أموت من أجل أفكاري، لأنها قد تكون خاطئة".