أمور بدهية يعرفها الأطفال الصغار، كأن تكون خالتك ـ مثلا ـ هي أخت والدتك، وجدك هو والد أبويك، وما شابه. إلا أن هذه المعلومات التي يعرفها الطفل في بدايات نموه، هنالك فئة تتعامل معها وكأنها لغزٌ عصي على الفهم، أو مسألة رياضية صعبة، تحتاج لأن تفك رموزها، أولائك هم "ذو الاحتياجات الخاصة"، من الأطفال الذين تقل لديهم نسبة الذكاء عن المعدل الطبيعي لدى أقرانهم، لذا توجب أن يكون لهم مناهج خاصة، وطريقة تعليم مختلفة.


مناهج وملاحظات

أفراد الأسرة، مسمياتهم ومراتبهم، تجدها في مادة "التربية الاجتماعية"، وهي رغم سهولتها وكتابتها بطريقة مبسطة، كما يرى القائمون عليها، إلا أن العديد من الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، يجدون صعوبة في ترسيخ المعلومة في أذهانهم، رغم الجهود التي تبذلها إدارة مدارس "التربية الفكرية" بالمدينة المنورة، حيث يعمل أكثر من 70 موظفا، ما بين معلم وإدري وأخصائي، كفريق يسعى إلى تنمية أدوات المعرفة والسلوك عند هؤلاء الأطفال.

الأخصائي النفسي بمستشفى الصحة النفسية بالمدينة المنورة، ناصر عطية الله الذبياني، يشرح طبيعة هذه الفئة من الأطفال، قائلا: إن "مستوى الذكاء عند الطلاب المقبولين بمدارس التربية الفكرية، من 50 إلى 70، وهو تخلف عقلي بسيط، ويصعب عليهم الربط بين الأب والجدة والخالة"، مضيفا: "كيف يفهم الطالب ويربط أن خالتي بنت جدي وجدتي، وهو لو تمت دراسة هذه الفكرة في التعليم العام، يمكن أن يصعب على الأطفال فهمها بسرعة مطلقة" فما بالك بهؤلاء الذين يقل ذكاؤهم عن أقرانهم!.


طرق بديلة

الذبياني وفي معرض طرحه لأفكار تكون أكثر قربا من ذهنية الطلاب في المعهد، أبان أن "هناك طرقا بالرسم كالشجرة مثلا، التي توضح شجرة الأسرة، دون استخدام اللغة المباشرة المعقدة"، وهو في معرض قراءته النقدية للمناهج، سجل ملاحظة على الصورة الموجودة بصفحة 81 في كتاب "التربية الاجتماعية"، والتي "يطلب من الطالب الذي يعاني من تخلف عقلي بسيط، أن يصل تلك الصور بين جدتي وخالتي وأمي، بشكل مستطيل"، وهو الأمر الذي يرى فيه تعقيدا على الطلاب، معتقدا أنها "لو كانت بشكل عامودي، لسهل فهمها نسبيا عليهم".





الحلوى الصباحية

"الوطن" زارت معهد التربية الفكرية بالمدينة المنورة، منذ وصول نحو 200 طالب متعددي الإعاقات، عبر باصات خاصة لهم، أو عن طريق أسرهم، في الصباح الباكر. البداية تكون مع معلم يقف ويسجل كل طالب يدخل المعهد، ويبدأ بعده ذلك طابور الصباح. طابور تستوقفك فيه بعض اللقطات من معلمين، فأحدهم تراه يقوم بمسح أنف طالب، وآخر ينحني بين قدمي طالب لربطة حذائه، والابتسامة تعلو محياه، كما أن معلمين آخرين يحملون بعض الحلوى لتقديمها للطلاب.

تفهمُ الاحتياجات

مدير معهد التربية الفكرية بالمدينة المنورة، جنيد فخر الدين جنيد، أبان في حديثه معنا أن "طاقم العمل هنا يجب أن يكون هادئ الطباع، متقبلا لبعض شقاوة الطلاب وتصرفاتهم التي تحدث دون قصد منهم". مبينا أنه "يتم قبول الطالب بعد تقييمه من قبل الأخصائيين، والبعض يتم نقله إلى صف أعلى، أو يدخل فصل التهيئة، وهو فصل مهم جدا لكسب ود الطالب للمعهد". مؤكدا أن "المعلمين يبذلون كل جهد لتحقيق أهداف المعهد التربوية والفكرية".


أنشطة ترفيهية

"زيارات يقوم بها طلاب المعهد إلى المسجد النبوي الشريف، والمصانع والمراكز التجارية بالمدينة المنورة، وكذلك الحدائق والملاهي لتعليمهم السلوك المنهجي وغير المنهجي في حياتهم الخاصة"، يقول المشرف على النشاط بمعهد التربية الفكرية عبدالغفور محم: "البعض كان يكره صوت الصافرة، وكذلك الذهاب إلى الأماكن العامة، وبعد التعود والاهتمام تحولت حياتهم إلى الأفضل".


عشق الرياضة

الرياضة التي شغلت الملايين حول العالم، لم تغب عن هؤلاء الأطفال الذين انعكست محبتهم لها مودة تجاه مدرسي التربية البدنية، وانتظارا لموعد حصص التربية البدنية، كما يبين ذلك المعلمان المختصان فيصل الحربي وعصام عوض سواف، فـ"الطلاب يفرحون بوقت الحصة الرياضية، وتجدهم يغضبون عند نهاية الفترة، ويحاولون ممارسة الرياضة التي تتوافق مع إعاقتهم وفكرهم".


منهج مدروس!

من جهته، أشار مدير التربية الخاصة بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة المدينة المنورة، أحمد راشد السريحي، في رد منه على استفسارات "الوطن" إلى أن "التربية الخاصة بكافة فئاتها، هي الشغل الشاغل لمعظم المهتمين بقضايا التربية والتعليم في عالمنا المعاصر، ومقصدهم من ذلك تطوير كفايات الأفراد ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة، وشحذ قدراتهم، واستثارة جوانب الإبداع". مبينا أن "تلاميذ التربية الفكرية، من أهم تلك الفئات التي حرصت الوزارة على تصميم مناهجها الخاصة بها، ومن بين تلك المناهج كتاب التربية الاجتماعية". مدافعا عن طريقة كتابة المنهج بقوله: "لو نظرت للأمر في سياق متصل للكتاب وموضوعاته، نجد أنه يتحدث عن الأسرة، أهم نواة في حياة التلميذ على وجه العموم"، شارحا أن الكتاب جاء مدعما بالصور التعليمية السهلة، قائلا: "كتاب التربية الاجتماعية للصف الأول الابتدائي بمعاهد وبرامج التربية الفكرية، مكون من 190 صفحة، والعشرون الأولى منه عبارة عن صور مجردة للأسرة ومكوناتها، ومن الصفحة العشرين حتى الصفحة الأربعين عبارة عن كلمات مجردة لأفراد أسرة التلميذ، مدعمة ببعض الصور الإيضاحية لتلك الكلمات المجردة، ليتعرف التلميذ على مدلولاتها ومعناها. فيما الصفحات من 40 وحتى 88 عبارة عن تعريف بأقارب التلميذ.


مسؤولية المعلم

الدفاع عن المناهج، ليس فقط هو ما قام به السريحي، بل اعتبر أن المسؤولية تقع على عاتق المعلم، شارحا فكرته هذه بقوله: "كل جهد يبذل من قبل الوزارة هدفه الطالب وبناء شخصيته، وكل هذه الجهود مهما بلغت درجة إتقانها تحتاج إلى المعلم القادر على استيعاب تلك الجهود، والتعامل معها والقيام بأدواره المطلوبة، لذلك قامت الوزارة بتزويد المعلم بكتاب معلم يحتوي على طرق تدريس تلاميذ تلك الفئة، بالإضافة إلى الوسائل التعليمية الأخرى، مثل المشاهد التمثيلية، والعرائس، والدمى، والأفلام".