يسر الله لي مؤخرا الاطلاع على كتاب حديث بعنوان (أئمة الحرمين) من تأليف الدكتور عبدالله بن أحمد العلاف الغامدي؛ الذي تواصلت معه هاتفيا لأشكره على جمعه لإصداره المبارك، فأكد لي متواضعا ما كتبه في المقدمة من أن الكتاب يحتاج إلى مزيد من التصحيح والتنقيح.. الكتاب أرجعني بالذاكرة والبحث إلى مسألتين؛ إحداها عندما ذكر المؤلف الكريم ضمن قائمة أئمة المسجد الحرام سيدي الجد السيد حسن فدعق، وأنه تولى إمامة المقام الشافعي بالحرم. فرجعت لمذكرات سيدي الوالد فوجدت أن جدي تولى الإمامة حتى عام 1343 = 1924، لمدة خمسة عشر عاماً؛ وإرثاً لها عن والده السيد محمد وقبله عمه السيد عمر، عن والدهما السيد عبدالله الذي تشرف بذلك عام 1230 = 1814 ـ رحمهم الله جميعا ـ . فقلت في نفسي كم أسديت لي من معروف أخي الدكتور عبدالله، ببعثك الهمة في نفسي.

المسألة الثانية هي المقامات الأربعة أو الخمسة التي كانت بالمسجد الحرام ـ الدكتور لم يذكرها لعدم المناسبة ـ، كل مقام عبارة عن مكان مظلل بسقف تحمله أعمدة، وبه محراب، وراء المطاف، وحول الكعبة المشرفة؛ يصلي فيه إمام المذهب. ويفهم من كتب المؤرخيْن ابن عبد ربه الأندلسي صاحب كتاب (العقد الفريد)، والنجم ابن فهد المكي صاحب كتاب (إتحاف الورى بأخبار أم القرى) أنها وجدت في الفترة من سنة 328 إلى 488. ومنشؤها يرجع إلى الاختلاف الشديد والتعصب المذهبي الذي كان قائما بين المسلمين دهرا طويلا، فقد كان أتباع كل مذهب لا يصلون خلف إمام أي مذهب آخر، وربما دخل على المصلين سهو وغفلة لاجتماع التكبير من كل جهة.

ويذكر الرحالة الشهير ابن جبير صاحب كتاب (رحلة ابن جبير) أنه ربما ركع الراكع بغير ركوع إمامه، وربما سلم بغير سلام إمامه؛ فترى كل أذن مصيخة لصوت إمامها وصوت مؤذنه مخافة السهو، فيحدث على الكثير. واستمر الأمر كما يقول الشيخ محمد طاهر الكردي صاحب كتاب (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم) إلى أن صدرت الموافقة الملكية بتوسعة المطاف وإلغاء المقامات، وتم البدء بالمقامين الحنبلي والمالكي في21/ 8/ 1377، وتأخر المقام الحنفي شهرين، وبقي المقام الشافعي حتى سنة 1383 لوقوعه فوق بناء بئر زمزم، وللاحتياج إليه. ويضيف الشيخ الكردي أن الذي أبطل الخلاف وأزاله هو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، بأمره أن يصلي إمامٌ واحد بالناس، وتم (اختيار الأئمة من مختلف المذاهب). فقلت في نفسي مرة أخرى رحمك الله رحمةً فوق رحمة يا من كنت سببا مباشرا في جمع الناس.. وكررت المقولة الشهيرة المنسوبة لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ وقيل لغيره ـ :"إنَّ اللهَ يَزَعُ بالسُّلطانِ مَا لا يَزَعُ بالقُرْآنِ"؛ إذ ليس للمستمرين على الاختلاف، والمتعصبين، ومصنفي الناس ممن لا يخافون الله تعالى؛ إلا حاكمهم الذي بِردْعه ـ أو بِحثِّه ـ يحفظ رعيته من الخلاف لا الاختلاف.

تصحيح:

في مقالي السابق اقترحت أن يضاف إلى لجنة تحري الأهلة بالمحكمة العليا من يشد عضدهم من أعضاء المركز الوطني للفلك في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية. والواقع يؤكد أن لائحة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية المعتمدة بقرار مجلس الوزراء رقم 143 وتاريخ 22/ 8/ 1418 نصت على أن تكوَّن لجان التحري من قبل مندوب من الإمارة، وأحد طلبة العلم من غير القضاة، ومندوب من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.