أخيرا أصبحت الرياض مطوقة مثل المعصم الجميل بسوار ذهبي من دائري كامل يلف المدينة الجميلة بـ38 مخرجا، يدلف إلى عشرات الأحياء النظيفة الأنيقة، والفيلات التي لا تنتهي.. ولكن؟
ولكن من أراد أن يدخل طريق الملك فهد السريع شمال جنوب فليتحين فرصته بعد نصف الليل مع ساعات السحر.. أو الصبر الجميل..
ومن أراد الدخول في الدائري الشرقي فعليه التريث عند المخارج 9 و10 و11 و12 وخاصة 11 و12 عند طريق عبدالله بن رشيد وعبدالرحمن الغافقي قائد حملة البرينيه في بلاط الشهداء، وهي تسمية جيدة في إحياء بديع للتراث..
ومن أراد الوصول إلى الدائري الجنوبي فابتسم فأنت على الحافة السفلية الخطرة، حيث الزحام يخنق، والحوادث تترى على مشفى الإيمان، في حوادث لا تصدق، وإصابات مروعة لا تنسى.
أما السرعات الخرافية فلا أحد يحسب ويحاسب، ولعل مع ساهر أن لا يسهر الناس ويدخلوا بيوتهم مبكرين وعن الحوادث عمين.
أما الدائري الغربي فلم يتفطن له الكثيرون، إنه مغروس بنبات وشجر، عريض يضيع فيه البصر، رحب يملأ طيب هوائه الصدر..
لذا فمن استطاع أن يسلك الدائري الغربي فيقطع طريقه من شمال الرياض إلى جنوبها فليسلك هذا الطريق المفتوح حديثا، ولا يحتاج لقطعه لأكثر من نصف ساعة يجتاز فيها طرقا رائعة فسيحة بطول 48 كلم.
كانت مخارج الرياض 31 مخرجا تبدأ من عند الملك خالد وتنتهي مع ابن حزم الأندلسي، أما الآن فأصبحت 38 تبدأ كما كانت وتنتهي عند مخرج الأمير عبدالرحمن بن فيصل 38 وقبله مخرج عرقة 37 أما 32 فهو الشوكة الثلاثية التي تتفرع إلى وسط الرياض وامتداد الدائري الغربي، والثالث الطريق المفضي إلى جدة ومكة وهو طريق سريع بألف كلم. أما مخارج 33 و34 و35 فلعلها اللا اسم لها حتى الآن؟
مشكلة الطرقات السريعة أنها تشبه الشرايين تماما، حادث واحد يشبه الجلطة فتصطدم بامتداد من السيارات يصل إلى طول كيلومترات، وهنا تبدأ أخلاقيات الناس في الصعود إلى السطح، فتتحول الطرق السريعة إلى حلبات من غبار متصاعد من سيارات لا تحترم جوانب الطريق ولا حوافه المغبرة، وهذا الانسداد يجب أن يعالج بسرعة بخدمات خرافية على مدار الساعة، وأم المشاكل الدواهي هي السرعة، فالطرق السريعة في ألمانيا مثلا غير محدودة السرعة، ولكن التزام الناس بالقوانين والتعاليم يجعل الحوادث مضغوطة إلى حافتها السفلية، أما الحوادث عندنا فتقترب من حافة الإجرام؟
كثيرا ما فكرت في أصل فكرة الطرق السريعة، ومن أتى بها؟ حتى سمعت الألمان يروونها عن هتلر إنه كان صاحب فكرة الطرقات السريعة، وأول طريق سريع بناه كان بين فرانكفورت ودارمشتادت، ورأيت صورا لحفل افتتاحه، ولكن هتلر كان يفكر للمستقبل بشيء مختلف، وهو حمل كميات هائلة من الجنود، في شرايين كبيرة من الطرقات وقذفها إلى الجبهات، وهو ما رأيناه في حملة بارباروسا على روسيا بخمسة ملايين جندي في ضربة واحدة..
إننا كما نرى أن العساكر فضلهم كبير على الناس بحماقاتهم؛ فكل مشاريع الجنرالات تحولت في النهاية للخدمة المدنية، مثل المحطات الفضائية والنت والطرقات السريعة، فكلها بالأصل للعسكر، ولكنها خذلتهم في النهاية وخدمت البشر العاديين.. موعظة وعبرة أفلا تتفكرون..