التناص: مصطلح نقدي، تبلور في أوروبا، وهاجر إلى أميركا في السبعينات، واستبدل هناك بمصطلح "التنقلية" وهو "ظاهرة لغوية معقدة تستعصي على الضبط والتقنين، إذ يعتمد في تميزها على ثقافة المتلقي، وسعة معرفته، وقدرته على الترجيح "حيث ورد عند العرب ما يشبه هذا المعنى بالتضمين والاقتباس وغيرهما من المعاني، إن صعوبة فهم هذا المصطلح كما يقول إبراهيم الدهون: نظراً لتعدد التيارات والمذاهب التي تبنته، إذ تباينت تعريفاته، ومعانيه، وأشكاله، وآلياته من ناقد لآخر، ومن مذهب نقدي لآخر، لا سيما في النقد العربي المعاصر "فالتناص في اللغة الاتصال والالتقاء وقيل الازدحام، واصطلاحاً مزيّة أساسية للنص تحيل على نصوص أخرى سابقة عليها. يقول عبدالله الغذامي "التناص مصطلح سيمولوجي تشريحي" ويكشف محمد بنيس عن رؤية أخرى للتناص فيسميه "النص الغائب" فهو يشير إلى أن هنالك نصوصا غائبة ومتعددة وغامضة في أي نص جديد، حيث يتجلى مفهوم التناص عنده من خلال ثلاثة قوانين هي: الاجترار والامتصاص والحوار. وقد طبق إبراهيم الدهون مفهوم التناص الأدبي على شعرية أبي العلاء المعري في تناصه مع الشعر، والمثل، وتناصه مع القرآن الكريم، والشخصيات القرآنية، ومع أيام العرب، والحوادث التاريخية، مما منح نصه قيماً ثقافية وجمالية، أضاءت شعره بتجليات ومكنونات داخلية، وأكسبته دلالات عميقة وغنية، وألبست معانيه خصوبة وآفاقاً علوية مشرقة، يقول أبوالعلاء: سيموت محمود ويهلك هالك ويدوم وجه الواحد الخلاق. حيث اعتمد المعري على الخطاب القرآني الكريم "كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" ويقول المعري: وإذا الأرض وهي غبراء صارت من دم الطعن وردة كالدهان. وقد استثمرها المعري من قوله تعالى:"فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان" ويقول: طويت الصبا طي السجل وزارني زمان له بالشيب حكم وإسجال. حيث استحضر قوله تعالى:"يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب.. الآية" ويقول: أعد من صلواتي حفظ عهدكم إن الصلاة كتاب كان موقوتا. ويقول: إذا ما أعظمي كانت هباء فإن الله لا يعييه جمعي. لقد امتاح مضمون نصه من قوله تعالى:"أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه" ويقول اذكر إلهك إن هببت من الكرى وإذا هممت لهجعة ورقاد. حيث يتكئ الشاعر على الآية القرآنية "واذكر ربك إذا نسيت" ويقول المعري: لنا رب وليس له نظير يسير أمره جبلاً ويرسي. وهذا المعنى إشارة إلى قوله تعالى "ليس كمثله شيء".