تجرأت في بداية مسيرتي القيادية على أخذ سيارة والدي رحمه الله، كنت إذا شاهدت رجل مرور لا ترتعد فرائصي فحسب، بل يرتعد كل شيء في محيط السيارة التي أقودها بما في ذلك كافة ركابها من زملاء الحارة أثناء ما كنا نسميها حينها (بالفرفرة) في محيط بيوتنا فقط.

كنا وبدون أدنى مبالغة نحترم رجال المرور خاصة وكافة رجال الأمن بشكلٍ عام لا بل ونخافهم "بصراحة"، نظراً لما كانوا يمارسونه من حزم وعزم كبيرين في تطبيق أنظمة المرور بحذافيرها، ولكن سلوكهم هذا أزعجنا حينما بدأنا ننضج ونرى أن في هذا السلوك من رجال المرور شيئاً من الفظاظة والغلظة غير المُبررة على الإطلاق مما أدى لتعالي أصوات انتقادهم على كل لسان وأصبح سلوكهم محل انتقاد وتندر كافة فئات المجتمع.

حتى إننا كنا نسمع من بعض العاملين منهم في الميدان قصصاً عجيبة تحكي توجيهات رؤسائهم الضباط في المكاتب والتي تقضي بعدم رجوعهم من الميدان إلا وقد أفرغوا ما بجعبتهم من أوراق المخالفات على كل من سار على الطريق، وتحت وطأة هذا الانتقاد الحاد من كافة طبقات المجتمع وتطاير الأخبار بين الركبان عن مخالفات حُررت على أناس لا يملكون سيارات من الأساس وغيرها من القصص التي لم تسئ لجهاز المرور فقط بل أساءت لكافة أجهزتنا الحكومية، انخفض أداء جهاز المرور بشكلٍ ملحوظ وأصبح رجال المرور يخشون الاصطدام مع أي مخالف للأنظمة مهما كان، مما سبب ويسبب مئات بل آلاف الحوادث المرورية والتي أفرزت آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمصابين.

المشكلة ليست في أولئك المتهورين من الشباب وغير المبالين بحياة ولا موت ولا إعاقة أو إصابة، فهم قد اختاروا ذلك بأنفسهم ولو أنهم اتجهوا للموت بطريقة مباشرة لهان الأمر، المشكلة في من سلك الطريق آمناً في سربه واثقاً في دربه متجهاً بهدوء وسكينة إلى عمله أو بيته ينشد السكينة ويسأل الله الستر والسلامة، ملتزماً بآداب الطريق ومحترماً أنظمة الدولة متمثلةً في أنظمة المرور ثم يفاجأ بعد ذلك بمتهور ينهي له حياته أو يسبب له إعاقة تبقيه حبيس فراشه أو كرسيه المتحرك حتى مماته.

وماذا لدى هؤلاء المتهورين ليخسروه؟ بعضهم لا يقدر قيمة حياته هو فضلاً عن حياة الآخرين على الطريق ولما اشتد الأمر وازداد المصاب أخرج الله لنا بعد طول انتظار نظام ساهر، الذي طبقته معظم دول العالم المتقدمة منها والمتأخرة وأصبح في عاصمتنا الحبيبة ساهراً على أرواح البشر وممتلكاتهم ولن يجد منه أي عابر للطريق باحترام أي إشكال لأنه صمم لضبط النظام المروري بطريقة آلية ذكية، وكم أكون لله شاكرا لو عُمم هذا النظام على كافة مناطق وطننا الحبيب ليعلم به الأوائل والأواخر، وليكون رادعاً حتى لضيوف العاصمة الذين سيكونون قد تدربوا عليه في مناطقهم فلم يقعوا في شباكه إذا زاروا العاصمة فيفسدوا بذلك كل جهد بذل من أجل تطبيقه.