تأتي ذكرى الحادي عشر من سبتمبر لهذا العام مختلفة نوعا ما، فهي المرة الأولى التي تأتي فيها ذكرى تفجيرات برجي التجارة دون أسامة بن لادن العقل المدبر لغزوة مانهاتن، وهو بلا شك انتصار كبير للولايات المتحدة الأميركية في حربها على الإرهاب. ففي يناير 2010 كانت رسالة بن لادن تأخذ الحيز الأكبر في وسائل الإعلام حين أعلن وقتها بإعدام أي أميركي تتخذه القاعدة رهينة في حالة إعدام خالد شيخ محمد المتهم الأول بأنه العقل المدبر لهجمات سبتمبر!

كان صباح الثلاثاء 11 /9 /2001 يوما مفصليا للعالم بشكل عام، والأميركيين بشكل خاص عندما قام 19 شخصاً باختطاف طائرات ضربت مبنيي مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون في بنسلفينيا في صبيحة ذلك اليوم وتحديدا في تمام الساعة 8:46 صباحا، عندما وقف العالم بأسره أمام شاشات التلفزيون ليشاهد أكبر تحول وكسر للمهابة الأميركية التي تفردت بقيادة العالم، يومها كنت متسمرا أمام تلك الشاشات لساعات متواصلة طالت فيها الاتهامات والافتراضات عن دول مثل الاتحاد السوفيتي واليابان انتقاما من قنبلة هيروشيما نتيجة الدقة التي نفذت فيها العملية. لم تكن القاعدة متهما أول حينها، ليس لبعدها عن مثل هذه الأحداث لكن نتيجة للدقة التي نفذت بها العملية. وبعدها صدرت تسجيلات ووصايا لمن قاموا بهذه العمليات باركها أسامة بن لادن وقتها وأكد أنهم من أتباعه دون تبنٍّ صريح لهذه العمليات!

وبعد مرور عشر سنوات إلا أربعة أشهر على هذه الحادثة؛ وفي فجر الاثنين الثاني من شهر مايو استيقظ العالم على نبأ وفاة الرجل الأول في تنظيم القاعدة أسامة بن لادن من خلال عملية كوماندز قامت بها الاستخبارات الأميركية، وطبقا لتقرير ستراتفور ومصادر استخباراتية أميركية وشهود عيان في مدينة إبت أباد ـ الواقعة على بعد أكثر من خمسين كيلومترا شمال شرق إسلام أباد ـ بدأت العملية عند الساعة الواحدة والنصف صباح الاثنين الموافق 2 مايو 2011 حيث سمع صوت أربع طائرات هليكوبتر في سماء المنطقة اتجهت نحو مبنى مؤلف من طابقين لا يبعد أكثر من تسعين مترا عن مقر أكاديمية عسكرية.

وكانت الطائرات الأربع انطلقت وعلى متنها فريق من القوات الخاصة في مشاة البحرية (سيلز)، قالت بعض المصادر إن قادة الفريق الميدانيين فقط كانوا يعلمون من هو المستهدف في هذا الهجوم.

وبحسب مسؤولين أميركيين، بدأت العملية استنادا إلى معلومات استخباراتية تعود في تاريخها إلى أغسطس السابق لتوقيت العملية، عندما اكتشفت المخابرات المركزية الأميركية مبنى محصنا بعد تعقب مراسل تابع لتنظيم القاعدة قال عنه موقوفون تابعون للتنظيم إنه من المقربين الموثوقين من زعيم التنظيم أسامة بن لادن.

وطبقا للرواية الأميركية، كان المبنى محاطا بأسوار يزيد ارتفاعها على خمسة أمتار، تعلوها الأسلاك الشائكة وتحرسه بوابتان أمنيتان، وهناك جدار بسماكة تصل إلى 21 سم تقريبا يحجب شرفة في الطابق الثاني مع خلو المبنى من أية أجهزة اتصال متطورة.

اليوم يحيي الأميركيون ذكرى هجمات سبتمبر دون أسامة بن لادن، وهي نصف المعضلة التي واجهت الولايات المتحدة الأميركية والتي يتمثل نصفها الثاني في كشف خيوط العملية ومراحل تنفيذها، وحل لغز الدعم اللوجستي الضخم الذي حصلت عليه القاعدة قبل تنفيذها للعملية، والتي أدرك العالم اليوم بعد مرور هذه السنوات أن المملكة العربية السعودية ليست جزءا من المشكلة التي حدثت في 2001، وإنما هي جزء من الحل، من خلال قدرتها على إعادة صياغة فكر إسلامي جديد يعري المنتسبين إلى السلفية من التهم الموجهة إليها، كما أن أحداث الثورات العربية سوف تصوغ رؤية جديدة للمنطقة من خلال التوازن السياسي، بالإضافة إلى بعض الوثائق التي يمكن أن تحدث تحولا كما ذكرت بعض الصحف البريطانية، فقد كشفت وثائق اطلعت عليها صحيفة «الديلي تلجراف» اللندنية ونشرت الأسبوع الماضي تقريرا عن علاقة وروابط قوية بين إيران وتنظيم القاعدة يعود تاريخها لما يقرب عقدا من الزمان.

وفي تفاصيل هذه الوثائق، التي أرسلتها الاستخبارات البريطانية ووجدت في مكتب وزير الخارجية الليبي السابق موسى كوسا، الذي انشق في مارس الماضي، أن الإيرانيين قدموا أسلحة ومتفجرات لحركة طالبان في أفغانستان.

تقاطع السياسة مع الإيديولوجيا ليس بمستغرب للمتابع للعلاقات التي تربط منظمات إرهابية بأنظمة ثورية تتفق في المصلحة السياسية وتختلف في المنطلق الإيديولوجي، كما أن وجود سيف العدل الرجل القوي في تنظيم القاعدة في إيران وسهولة تحركاته رغم زعم إيران أنها تفرض عليه الإقامة الجبرية مدعاة لفتح ملف العلاقة التي تربط الاثنين طيلة العقد الماضي!