في ظل هذه الأزمة المالية التي تكاد تجتاح الاقتصادين الأميركي والأوروبي، وما ستخلفه من آثار على الاقتصادات المرتبطة بهما مثل اليابان والشرق الأوسط وغيرهما، يتردد الحديث كثيرا عن أنظمة وآليات الإفلاس وما يتعلق به. وبلا شك أن وجود نظام قوي يحكم قضايا الإفلاس ـ سواء إفلاس الأفراد أو الشركات ـ يشكل أهمية قصوى في مثل هذه الظروف، فهو يحمي الشركات والأفراد من الانهيار في حال كانوا مدينين، وبالتالي هي حماية لاقتصاد وصناعة البلد، كما يحفظ حقوق الدائنين ويساهم في إرجاع ما أمكن من أموالهم.

للأسف أنه لا يوجد نظام خاص في السعودية يحكم هذا الباب ويفصله، على أهميته القصوى. كل ما هنالك؛ مجموعة مواد في نظام المحكمة التجارية الصادر في بداية عام 1350 أي ما يزيد عن 82 عاما! بالإضافة إلى نظام التسـوية الواقـية من الإفلاس والصادر في عام 1416.

عند النظر إلى تلك المواد في نظام المحكمة التجارية، والتي هي الأساس في هذا الباب، نجد أنها صيغت قبل 82 عاما، وقد استجد الكثير من الأمور، وتلاشى الكثير أيضا! فمثلا؛ النظام يتحدث ـ ويتكرر هذا كثيرا في النظام ـ في عقوباته المالية عن الجنيهات التي كانت سائدة آنذاك، ولم يكن يوجد الريال العملة السعودية الحالية! فما المقصود بها الآن؟ هل يستمر الأمر كذلك؟

وفي المادة 111 أيضا؛ التي تتحدث عن آلية إعلان الإفلاس، وتنظّم بأنه توضع إعلانات وتلصق بشوارع البلدة! تلك البلدات التي ربما لا تتجاوز في حجمها ذلك الوقت حيّاً من أحياء الرياض الآن! وغياب آلية حديثة لإشهار وإعلان الإفلاس، ولَّدَ بلا شك الكثير من المشاكل لدى التجار الدائنين، ومن ثم اقتصاد وتجارة البلد. فربما الكثير من الدائنين لا يصلهم هذا الإشهار بالطرق التقليدية القديمة، مما قد يتسبب بتقسيم أموال المدين على جزء من الدائنين وترك الآخرين!

ويدعونا هذا إلى التساؤل عن آلية حجز الأموال للمدين المفلس؟ ما مدى فاعلية الحجز في ظل عدم وجود نظام جيد ينظمها، بالإضافة إلى عدم وجود نظام آلي لدى الوزارات المعنية مثل وزارة التجارة ووزارة العدل ووزارة المالية، يمكن من خلاله التحكم وإيقاف أي عمليات جديدة على أموال وأصول المفلس! نجد أن نظام المحكمة الآنف الذكر، وفي مادته 109؛ يكتفي بأنه "يجب على المجلس ـ الوصاية أو الأمناء ـ أن يوقفه أو يضعه تحت مراقبة الشرطة". حتى هذا العموم في الإيقاف للشخص ليس واضحا، فهل يحكم عمومه نظام الإجراءات الجزائية ـ في حال كون المفلس محتالا ـ أو نظام المرافعات وما فيهما من تقييدات للإيقاف، أم أن الأمر يخضع لاجتهاد المحكمة؟

كما أن آلية ونظام مجلس الوصاية الذي يحدده النظام المذكور في المادة 112 يحتاج إلى الكثير من التعديل والتفصيل، فهو لا يضع آلية واضحة، تضمن تمثيل جميع الدائنين بشكل عادل ومنظم. بينما نجد على سبيل المثال؛ أن النظام الإنجليزي للإفلاس (Insolvency Act) والصادر عام 1986م قد وضع كامل الجزء الثالث (Part III) منه، من المادة 28 حتى 72 في هذا الموضوع (Receivership). هذا النظام الذي تم تعديله في عام 2000، كما تم تعديل العديد من مواده من خلال أنظمة أخرى مثل نظام الشركاتCompanies Act) 2006) ونظام المشاريع Enterprise Act 2002 الإنجليزيين وربما غيرهما. الأمر الذي جعل إجراءات الإفلاس تنخفض من معدل ثلاث سنوات إلى سنتين ليصبح اثني عشر شهرا فقط! مما يبيّن نشاط البرلمان الإنجليزي في سرعة تعديل القوانين وفاعلية تجاوبه مع المستجدات، الأمر الذي تحتاجه كل الاقتصادات في العالم، وخصوصا الناشئة منها.

من المواد الطريفة في نظام المحكمة المذكور؛ المادة 145، والتي تتحدث عن صرف النقود (أي المعدنية)، بأن "كل صراف يدفع نقوداً مبرودة أو ناقصة أو يرتكب أي نوع من أنواع الغش والاختلاس يجازى في أول مرة بإغلاق محله شهراً، وإذا عاد لذلك يحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر"، بينما لا يكاد يوجد صرافون بهذه الطريقة في السعودية حاليا!

الغرض من هذا المقال هو إثارة قضية مهمة؛ وهي مدى الحاجة الماسة إلى وضع نظام متطور خاص بقضايا الإفلاس التجاري، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الجيدة التي تمر بها البلاد ولله الحمد، ونتمنى من الجهات المعنية أن تبادر في سرعة إنجاز هذا النظام، بالإضافة إلى تجديد جميع الأنظمة المرتبطة مثل نظام الشركات وغيره، وكلنا أمل وفأل بإذن الله تعالى، خاصة مع الكم الجيد من الأنظمة التي صدرت في السنوات القليلة الماضية.