تتصل الخادمة بعد اختفاء عشرين يوماً لتطمئن كفيلها أنها سليمة، وأنها تعمل في القصيم براتب ألفين وخمسمئة ريال. بعد أن عملت مع كفيلها مدة لم تتجاوز ستة أشهر. كان الجميع يعاملونها معاملة جيدة. تحصل على وقت كاف للاستراحة وتهتم العائلة بكل احتياجاتها. لم يسبق أن هربت خادمة من منزل صاحبنا، إلا أن قضية الهروب انتشرت مؤخراً بشكل يهدد المجتمع ككل.

الذي دفع هذه الخادمة للاتصال قد يكون تأنيب الضمير، فقد صرف الكفيل مبلغ اثني عشر ألف ريال. سلمها جميع استحقاقاتها، حتى عندما قالت إن طفلتها في المستشفى قدم لها الكفيل راتب شهرين لعلاج طفلتها. غريب فعلاً أن يكون لدى جميع الخادمات أطفال مرضى.

أفهم أن يكون هؤلاء جميعا أتوا لضمان مبلغ معين يحقق لهم هدفاً اقتصادياً. لكن القيمة الأخلاقية التي تتعلق باحترام العقود والمواثيق التي بين الناس، لن تكون سبباً لبقاء الخادمة في منزل كفيلها ولو عاملها أفضل معاملة. الإنسان بشكل عام، ولا أخص هنا جنساً معيناً، يحتاج لوجود ضوابط نظامية تتضمن عقوبات رادعة وقابلة للتطبيق. رؤية القوانين تطبق، والسماع بها واطلاع الناس عليها عبر وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعي، هو ما يولد احترام هذه القوانين. ويضمن التزام المجتمع بها.

هؤلاء الخادمات يحصلن على فرص عمل أفضل من تلك التي استقدموا لها. العمل عند أسر محتاجة سيضمن للخادمة مبلغاً يتجاوز ضعف الراتب الذي تعاقدت عليه. الفرص تتوفر خارج المنازل في مجالات التجارة المختلفة. قد تلجأ هؤلاء الخادمات للعمل تحت إمرة أشخاص يستغلونهن في أعمال غير نظامية كالتسول وممارسة أنشطة غير أخلاقية حتى.

توجد في دول المصدر عروض تقدم لتشغيل الخادمات بعد وصولهن للسعودية. تحصل الخادمة على رقم هاتف لتتصل عليه عندما ترغب في العمل. الأخطر هو وجود عروض منظمة من قبل أشخاص مخالفين يعيشون هنا بيننا. تكمن إشكاليتها في إيجاد بيئة مخالفة للأنظمة جميع مكوناتها من الأجانب، وهذا يجعل اختراقها صعباً. كما أنها تخلق منظومة من السلوكيات التي تضر المجتمع وتنشر الفساد والأمراض والسحر والشعوذة. إن استمرار هذه الشبكات الفاسدة سيؤدي بالضرورة إلى تدمير شباب الوطن ونشر الممنوعات والمحرمات.

يساهم المواطنون في استفحال هذه المشكلة. تقدم الأسر مبالغ كبيرة للحصول على خادمات بطرق غير نظامية. الهدف الأساسي من هذه ا لسلوكيات هو حل إشكال تواجهه الأسرة، بغض النظر عن أضرار أخرى قد لا تعرفها هذه الأسر. الخادمة التي لديها الاستعداد للعمل بطريقة مخالفة للنظام، يمكن أن نتوقع منها أموراً أكبر تشمل إلحاق الأذى بالأسرة سواء بالسحر أو السرقة أو طرق أعمال غير أخلاقية من خلال وجودها في حماية منزل.

تبقى الخادمات في المنازل طيلة النهار. بينما يكون أفراد الأسرة في الخارج سواء في العمل أو التعليم أو الزيارات أو التسوق... وما إلى ذلك. تستطيع الخادمة أن تتعرف على سلوكيات الأسرة، وأوقات التواجد والغياب. هذا يمنح الخادمة الفرصة لعمل ما تشاء. تتميز الأسرة السعودية، كذلك، بالطيبة والثقة المفرطة. إضافة إلى الاتكالية العجيبة حتى في تربية الأطفال ومراقبتهم والعناية بهم. رأينا جميعاً الكثير من المقاطع التي تصور عنف الخادمات وسوء تعاملهن مع الأطفال. الأخطر هنا بالنسبة إلى هؤلاء الخادمات المستأجرات هو إمكانية أن تخطف الطفل وتبيعه لأي كان، أو حتى الوصول للقتل.

أدى إيقاف استقدام العمالة المنزلية من الفلبين وإندونيسيا إلى ارتفاع تكاليف نقل الكفالة التي بلغت في بعض الأحيان سبعة عشر ألف ريال، أجج هذا قضية هروب الخادمات وأصبحت هاجساً تواجهه كل الأسر. قرأت في أحد المواقع أن إحدى الخادمات وصلت لمطار الملك عبدالعزيز بجدة، وانطلق بها كفيلها متوجهاً للمنزل، طلبت منه زجاجة ماء. دخل الكفيل إلى البقالة ليعود فيجد باب السيارة مفتوحا ولا أحد داخلها. هذا يؤكد وجود تنظيم وترتيب مسبق بين هذه الخادمة ومن سيتولى تشغيلها.

وجود شركة متخصصة لتوفير العمالة المنزلية، فكرة جيدة. هذه الشركة تستطيع أن تنظم حركة الخادمات داخل سوق العمل. كما ستختصر الإجراءات، وتحمي حقوق الكفلاء، وتضمن وجود رقابة على العمالة المنزلية بشكل مستمر. يمكن أن تساهم هذه الشركة في حل المشاكل التي تواجه الأسر والمشاكل التي تواجه العمالة بما يحقق مصلحة الطرفين. هذه الشركة لا بد أن تكون منضبطة ومسؤولة بشكل يسمح للجميع بوضع ثقتهم فيها.

إن قيام مكاتب الخدمات أو الأشخاص بترويج سلوكيات تهريب الخادمات ونقلهن بين الأسر، هو مخالفة نظامية وأخلاقية. كما أنه يستدعي الوقوف بقوة من قبل الجهات الأمنية المختصة لمنع استفحال هذه الحالة في المجتمع. يجب أن يكون العقاب ملائماً لحجم المخالفة. يأخذ في الاعتبار المخاطر الأمنية والاجتماعية والسلوكية التي تنتج عن هذه المخالفة الجسيمة. تطبيق العقوبات التي تطال جميع المشاركين في هذه المخالفة أساسي. الخادمة التي تخالف يجب أن تودع السجن وتقع عليها عقوبات مادية وأدبية ملائمة للمخالفة. العقوبات المالية لا بد أن تكون كبيرة في حق المتنفعين من هذه المخالفات مادياً. بما يحقق اقتلاع هذه المشكلة من جذورها.