منذ أكثر من خمسة أعوام، تحدثت في العديد من وسائل الإعلام خاصة على صفحات هذه الجريدة الغراء عن ظاهرة الزلازل والبراكين في منطقة الحجاز، ورغم أهمية هذا الطرح الذي طرحته في هذا الصدد لم أجد أي جامعة أو أي معهد أو أي خبير في علم الزلازل والبراكين يدلو بدلوه في هذا الطرح سواء كان بالرفض أو القبول أو حتى التشكيك فيما أنشره من فرضيات ونظريات؟؟؟ ويعلم الله أن طرحي لم يكن عبثيا بل أمرا مستنداً، على قراءة متأنية لسنوات طويلة لأبحاث العديد من الخبراء في علم الزلازل والبراكين، الذين أمضوا ردحا طويلا من حياتهم في دراسة كل من الصدع الحجازي العظيم (كما أطلقت عليه) ومنطقة الصدع الأفريقي الشرقي العظيم Great Eastern African Rift الممتد على طول القرن الأفريقي. من خلال هذه القراءات المتأنية توصلت إلى قناعة تامة، تؤكد أن الصدع الحجازي العظيم Al Hijaz Great Rift ما هو إلا امتداد للصدع الأفريقي الشرقي العظيم، وما يقال ويتردد في وسائل الإعلام المختلفة عن ظاهرة الزلازل والبراكين التي تشهدها المنطقة الغربية من أنها ناجمة عن تباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية أو ما يعرف بتوسع حوض البحر الأحمر ليس صحيحا تماما، فالموضوع أكثر تعقيدا مما يردده البعض، فكما ذكرت سابقا أن الخسف Rift أو كما هو معروف باسم الهضاب المحيطية Oceanic Ridges والتي تعتبر امتدادا للهضاب المحيطية المنتشرة في جميع محيطات العالم والتي تسببت منذ ملايين السنين في تقسيم أرض جوندوانا Gondwana التي كانت تمثل العالم القديم إلى القارات الخمسة المعروفة اليوم، قد بدأ في عصر Oligocene أي بدأ تكوين البحر الأحمر في تلك الفترة، أما الأنشطة الزلزالية والبركانية التي تشهدها المنطقة الغربية فتعود في معظمها إلى الخسف الحجازي العظيم والذي بدأ تكونه في العصر الجيولوجي الحديث Pliocene أي منذ حوالي عشرة ملايين عام، وأعيد وأوضح أن الخسف الحجازي العظيم ما هو إلى امتداد للصدع (الخسف) الأفريقي العظيم، وهو يمتد في خط محوري يتجه من الجنوب إلى الشمال ويمتد على طول المنطقة الغربية وحتى بلاد الشام وتبلغ قوة ذروته في حرة رهط وحرة كشب وحرة خيبر التي تنتشر فيها مئات البراكين أو فيما يعرف بالبقع الساخنة (Hot Spots)، ومن يدعي أن هذه الحرات يعود تكوينها إلى توسع البحر الأحمر فكلامه مردود عليه لثلاثة أسباب واضحة أول هذه الأسباب الاختلاف الواضح في اتجاه كل من محور الخسف في البحر الأحمر الذي يتجه محوره اتجاه شمال غرب، في حين أن اتجاه محور الصدع الحجازي يكون اتجاهه في اتجاه جنوب شمال، وهذا دليل قاطع أن تكون الخسف الحجازي ليس له صلة مطلقة بتوسع حوض البحر الأحمر، أما السبب الثاني فهو عدم وجود حرات منتشرة على الجانب الغربي للبحر الأحمر، أما السبب الثالث فهو امتداد حرات الخسف الحجازي شمالا حتى بلاد الشام أي خارج نطاق محور الخسف للبحر الأحمر.
ما قيل عن الزلزال الذي حدث في منطقة القنفذة، كان أمرا محيرا فقد ذكر في بداية الأمر أن مركز الزلزال كان في مدينة الباحة، ثم قيل بعد ذلك إنه في بلجرشي، ثم استقر الأمر بعد ذلك على تحديد مركز الزلزال في مدينة القنفذة، كما كان هناك اختلاف واضح في تحديد عمق الزلزال (Hypocenter) فالبعض قال إن عمقه 10 كيلومترات، في حين أن البعض الآخر ذكر أن عمقه حوالي 31 كيلومترا، هذا التخبط قادني إلى قناعة تامة بأن الجهة ذات العلاقة في تحديد مراكز وقوة هذه الزلازل لا تمتلك أصلا مراصد احترافية في تحديد الملامح المختلفة للزلازل، مثل قوة الزلزال ومركز الزلزال على سطح الأرض أو فيما يعرف بـEpicenter ومركز الزلزال داخل الأرض أو فيما يعرف بـHypocenter، ولتحديد هذه الملامح الثلاثة يجب أن يكون هناك ثلاثة مراصد زلزالية تقع في مواقع مختلفة، وأن يكون هناك خبراء في علم الزلازل يقومون بتحليل المعلومات الزلزالية الواردة لأجهزة القياس في محطات الرصد، الموضوع أخطر من أن يكون مجرد تصريحات في القنوات الفضائية أو في وسائل الإعلام المختلفة، وأنا لا أشكك في مصداقية هيئة المساحة الجيولوجية، ولكن أتمنى منهم أن يحددوا لنا مواقع هذه المحطات؛ لتتسنى لجميع شرائح المجتمع زيارتها خاصة طلاب المدارس؛ لزيادة ثقافتهم ورفع وعيهم بما قد يحدث من زلازل في المستقبل، وكم كنت أتمنى أن يسع هذا المقام لشرح المزيد عن زلازل وبراكين الخسف الحجازي، ولكن أطمئن الجميع أن طبيعة الهزات الأرضية التي تنشأ في الخسف الحجازي ليست بقوة تلك الهزات التي تحدث في منطقة حلقة النار المحيطة بالمحيط الهادي، حيث لا تزيد قوتها على 6 درجات على مقياس ريختر، ولكن يجب أن نعلم أن قوة مثل هذه الهزة تعادل قوة قنبلة تصل قوتها إلى حوالي 6.5 ملايين طن من مادة "ت ن ت" فيا خفي الألطاف نجنا مما نخاف.