أريد أن أفهم شخصين، شغلا الناس، فأنا لم أعد أفهمهما، ولا أظنهما يفهمان نفسيهما، هما:
الأول؛ طوال ما لا يقل عن 40 سنة، وهو في وجهنا، ليل نهار، كان في بطوننا ضحكة، وفي شفاهنا بسمة واسعة، لكنه الآن لم يعد في بطوننا ولا شفاهنا، بل في علامة تعجب كبيرة مرسومة على رؤوسنا.
الأول، الذي كانت الأمة العربية، ترى فيه ممثلاً كوميدياً خفيف الظل، وممثلا لهمومها السياسية، من خلال أفلام ومسرحيات، كان فيها يسخر من بعض السلطات العربية والأنظمة، وأحيانا الرؤساء العرب، إلى درجة أن الشعب العربي أحبه لأنه يقول عنه مايخاف أن يقول.
الثاني؛ شبيه الأول تماماً، فبعد أن عرفه العرب عبر مسرحية (كاسك ياوطن)، تعلق به وبمسرحياته وأعماله السياسية التي تعبر عن القهر والظلم والقمع الذي تعيشه بعض الشعوب العربية، تحت سياط الأنظمة العربية المستبدة.
الأول والثاني، كلاهما، حيان يرزقان، وكلاهما عاشا ثورة الحريات العربية التي كانا يناضلان من أجلها في أفلامهما ومسرحياتهما، لكن الاثنين، وهذا الغريب الذي يجعلني أحك شعر رأسي عجبا وحزنا وبلادة ، كلاهما وقفا مع الأنظمة ضد الشعوب، عندما ثارت الشعوب.
السؤال الذي يسد ثقب الأوزون الآن: هل كان الأول والثاني هؤلاء، طيلة عشرات السنين، يضحكون على عقول الشعوب العربية، ويتغذون على همومها طلبا للشهرة وجني المال، وأن مسرحياتهما وأفلامهما تلك كانت كذبا وزورا وبهتانا؟
هل فعل الأول والثاني مافعلا، منطلقين من قناعة حقيقية تستحقر الشعوب، وتنافق الأنظمة بعد أن كانت طوال السنين تستحقر الأنظمة وتنافق الشعوب؟
هل مواقفهما هذه نابعة من ضميريهما الإنسانية والفنية، أم إنه خلل نفسي في الشخصية العربية التي تسب القمع لكنها لا تريد زواله، لأنها لا تعيش إلا بوجوده؟
أسئلة كثيرة محزنة، على الأول والثاني أن يجيبا عليها بعد أن يخرجا وجهيهما للناس، إن كانا ما زالا لديهما وجه فيه دم.
الأول عادل إمام، والثاني دريد لحام.